يبدو أن الحالة الإبداعية العربية في وضع لا تحسد عليه من خلال مؤشرات كثيرة رصدها التقرير الرابع للتنمية الثقافية العربية الصادر حديثا عن مؤسسة الفكر العربي، خاصة في مجالات السينما والمسرح والأغنية.
الحقيقة التي يلمسها الجميع وكانت تحتاج إلى تأكيد، هي ما أسماه التقرير بـ"الظاهرة المفجعة" وتتمثل في التدني الذي "بلغ حد الانحطاط في كلمات كثير من الأغاني العربية. والمفارقة المقلقة أن هذا الانحطاط اللغوي في كلمات الأغنية العربية يجد له رواجا يصعب تفسيره لدى الجمهور المستمع".
إلى ذلك، حاول التقريرُ تحليل المضمون الثقافي للأغنية العربية، لكن يبدو أن النتيجة كانت ضبابية لصعوبة الوصول إلى أرقام. ومن خلال المتوفر تبيّن أن الغلبة عام 2010 كانت للغناء العاطفي بنسبة 69% من مجموع الغناء العربي ثم الغناء الشعبي بـ22% فالغناء الديني بـ7%.
كما يوضح التقرير أنه على الرغم من أن السينما خلال عام 2010، قدمت بعض الظواهر مثل الأفلام المصرية التي "تنبأت بشكل مدهش بمقدمات ثورة 25 يناير المصرية"، وبرغم تطور السينما المغربية وظهور مؤسسات عربية لدعم السينما كما في قطر ودبي وأبوظبي، إلا أن الساحة ما زالت تحت سيطرة الأفلام الأجنبية في صالات العرض بالدول العربية. ففي عام 2010 كانت نسبة عرض الأفلام الأميركية والأوروبية والآسيوية في دور السينما العربية 77%. أما الأفلام العربية، وأغلبها مصرية، فقد كانت نسبتها 18% فيما جاءت الأفلام المحلية بنسبة قدرها 4% فقط.
من جهة أخرى، لم يثبت المسرح العربي تطورا وبقي يراوح مكانه، يؤكد ذلك أن معظم ما تم عرضه على خشبات المسارح في عام 2005 أو 2006 أو 2007 هو نفسه استمر عامي 2010 أو 2011 باستثناء تغيير العناوين. وأشار التقرير إلى أن المسرح الفلسطيني "ما زال يقاوم الزمن والاحتلال حيث بدت مسرحية نص كيس رصاص التي عرضت في القدس عام 2010 علامة بارزة في تجربة تشق طريقها وسط معوقات كثيرة ومعاناة أكثر".. غير أن المسافة الفاصلة بين إمكانات المسرح العربي وإمكانات المسرح في البلدان الغربية ما زالت كبيرة. فعلى سبيل المثال فإن "القاهرة" التي يسكنها 12 مليون نسمة تحتوي على 35 مسرحا، ما يعني أن كل 350 ألفا من السكان لهم مسرحٌ واحد، بينما في مدينة "فيينا" التي يسكنها مليونا نسمة فيها أكثر من 400 مسرح، والنسبة هنا مسرحٌ لكل 5000 نسمة.
كل ذلك يعني أن الإبداع العربي يحتاج إلى إنقاذ، والحل بيد الجهات الداعمة من رسمية وغير رسمية في دول الاستقرار العربي حاليا، ودول "الربيع العربي" مستقبلا بعد أن تستقر.