لا تعترف العبقرية بسلامة الأعضاء. اكتمال الأعضاء ليس شرطاً من شروط العبقرية.

بيتهوفن كان ثقيل السمع. يقول عن نفسه في يومياته: "يا لشدة ألمي عندما يسمع أحد بجانبي صوت ناي لا أستطيع أنا سماعه، أو يسمع آخر غناء أحد الرعاة بينما أنا لا أسمع شيئاً، كل هذا كاد أن يدفعني إلى اليأس، وكدت أن أضع حداً لحياتي البائسة، غير أن الفن، الفن وحده هو الذي منعني من ذلك".

كان يستنكف من أن يطلب من الذين يحادثونه رفع أصواتهم. ومع ذلك أنجز السيمفونيات التسع التي صارت من تراتيل البشر اليومية الكلاسيكية. نشأ بيتهوفن فقيراً، حتى آخر لحظة من حياته دون أن يحيد عن مبادئه العليا. على الرغم من الفقر المدقع الذي عاناه، ومن الوحدة والوحشة التي لازمته.

يشكو من فهم الناس الخاطئ له يقول: "آه منكم أيها الناس الذين ترونني كئيباً، حقوداً، فظّ الخلق، إنكم تظلمونني هكذا. أنتم لا تعرفون سبب سلوكي الغامض. منذ سنيّ الطفولة تفتّح قلبي وروحي على الرقة والطيبة، وكان هدفي دوماً الوصول إلى الكمال، وتحقيق الأمور العظيمة ولكن فكروا في أنني أعاني منذ ست سنوات من ألمٍ لا شفاء منه، زاده أطباء عاجزون".

قلتُ: تلك النار المضطرمة في روح بيتهوفن هي التي منحتنا هذا الموسيقار العظيم.

كان يهرب من الناس إلى الطبيعة يدوّن فيها أنغامه وألحانه، فأبدع موسيقى تعبر تعبيراً صادقاً عن إحساس الإنسان. ولا تزال مؤلفاته الموسيقية ينهل منها كل عاشق للموسيقى، وكانت أعظم موسيقاه على الإطلاق تلك التي أنتجها في فترة صممه الأخيرة! المفارقة أن بيتهوفن وقعت إعاقته في أذنه، العضو الأنبل بالنسبة لموسيقي محترف. لكن ذلك الصمم جعله أكثر رقةً في تأليفه، وفي عزفه.

قال أبو عبدالله غفر الله له: إن صراع بيتهوفن ضد اليأس كان كبيراً، خاض حرباً شعواء ضد مشاعر الإحباط والتأفف. كانت حياته عبارة عن معركة، حارب بفنه كل أشعة اليأس المؤلمة. أنجز مع كل صعوبات الحياة التي واجهته كل هذه الإبداعات العبقرية. فاستحق أن يكون الموسيقار المتفائل دائماً، على الرغم من اليأس الدفين الذي يتحرك باستمرار داخل هذا العبقري الفذ.