على مر عقود، تملك المواطن شعور سلبي تجاه مصطلح "لجنة"، وأصبح ذلك الشعور يخالطه اليوم تجاه مصطلح "هيئة"، إذ إنه على ما يبدو، تم تغيير مصطلح "لجنة" بمصطلح "هيئة"، حيث صاحب مصطلح "لجنة" طوال مسيرته ـ غير الناجحة في أغلب الأوقات ـ الكثير من الأخطاء والفشل في تحقيق الأهداف التي تتكون من أجلها، مما جعل علماء الإدارة والسياسة يسعون إلى تغيير هذه الصورة الذهنية غير الطيبة، وترميم سمعتها نتيجة ما لحقها من عدم رضا، فلم يجدوا حلا سوى استبداله بمصطلح "هيئة"، فتغير الاسم وبقي الحال والواقع كما هو عليه، حتى يكاد المرء لا يفرق بين "لجنة" و"هيئة". وعلى الرغم من حداثة مصطلح "الهيئة" إلا أن نتائج أغلبها لا تبشر بخير من حيث مستوى عملها وأدائها والمهام والمسؤوليات التي كونت من أجلها.

كثرت "الهيئات" وتكاد تغطي ـ وفقا لتخصصاتها واهتماماتها ـ كافة القضايا المهمة، لكن الواقع لم يتغير، إذ لا تزال قضايا حقوق الإنسان تعاني رغم وجود هيئة حقوق الإنسان الوطنية، ولا يزال المستهلك ينزف من الغش والخداع رغم وجود "هيئة حماية المستهلك" التي لم تحم حتى الآن إلا تجارا جشعين تلاعبوا بالأسعار في ظل تفرغها لنزاعاتها الداخلية والبحث عن راتب وكرسي (الرئيس)، أما حقوق العملاء في القضايا المتعلقة بهيئة الاتصالات فحدث ولا حرج. وإذا كنا نطالب "ساما" بالضغط على البنوك ومساعدة الناس في القروض والخدمات، فعلينا أن نعلم كيف يستأثر بعض موظفيها بقروض وتسهيلات لا تقدم لغيرهم.

تلك الهيئات أضحت تدريجيا، وفي ظل نظام رقابي ضعيف، حريصة كل الحرص على حماية بقائها وبناء علاقات مميزة مع التجار وأصحاب المؤسسات التي يفترض أنها تحمي المواطن منهم.

أما أحدث الهيئات تكوينا وأكثرها أهمية، بأمر ملكي كريم من خادم الحرمين الذي يستشعر دوما حاجة البلاد والعباد، وهي "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وحماية النزاهة"، التي أدى موظفوها القسم يوم أمس، وأنشئت في مارس 2011، لتعزز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره، ومتابعة مصالح المواطنين، وصادق على نظامها مجلس الوزراء في مايو 2011، فبعد حوالي سبعة أشهر من تكوينها، أصدرت الهيئة إعلانها الأول في الصحف، لإشهار أرقام التواصل معها، وأنها لا تختلف عن الهيئات التي سبقتها.. على الأقل حتى الآن.

المواطن يتوقع أن هيئة مكافحة الفساد عاكفة على دراسة ملفات الفساد الضخمة خلال الفترة الماضية. وينتظر إعلانا من الهيئة يفضح العقود الفاسدة، والمعاملات المشبوهة. وينتظر في القريب العاجل أن يتعرف على مواقع الفساد وطرقه، ووسائله وأنواعه، لكن للأسف بعد انتظار دام أكثر من سبعة أشهر لم يتعرف ذلك المواطن إلا على أرقام التواصل مع الهيئة في الرياض، وكأنها عاجزة عن وضع يدها على مواقع الفساد وتحتاج إلى إسهام المواطنين عبر التواصل معها ليكشفوا لها ذلك، إلا أننا لم نفقد الأمل بعد، وما زلنا ننتظر منها الكثير.

اقترحت في مقالة سابقة إنشاء "هيئة لحماية المواطن" من "الهيئات" التي أنشئت من أجله، ثم انقلبت ضده في وقت تغلب عليه سيطرة المصالح الخاصة، ويكثر فيه الاستغلال والجشع.


الأغرب والأسرع

القرار الأغرب والأسرع كان في مجلس الشورى قرأته بالأمس، عندما اقترح أحد أعضائه منح وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى وما يرافقه من مميزات مالية وعينية لأعضاء المجلس، وهو ما تم الموافقة عليه عاجلا من 82 عضوا! مما يجعلنا نطرح التساؤلات مجددا.