كان المفكر عبدالله القصيمي قد وصف العرب – وهو محق – بأنهم ظاهرة صوتية، وبعيداً عن المعاني المضمرة في هذا الوصف؛ فإن الواضح أن العرب صوتيون.. شفاهيون من زمن عمرو بن كلثوم إلى زمن محمد حسنين هيكل ومحمد الصحاف ومن على شاكلتهم.

والعرب إلى جانب ذلك أناس غيبيون.. يقدسون الغموض والماورائيات، وأحسب أن الشمس التي يجهر سطوعها في معظم الأراضي العربية هو ما جعلهم نزاعين للظل.. محبين للتواري والتخفي، ولهذا جرت "التورية" في لغتهم ضمن المحسنات البديعية، ومنهم من ينجذب للسحر وما يكتنف عوالمه من غموض وما يحيط بخوافيه من جاذبية غيبية، بل إن لهم ولأحاديث مجالسهم هياما وغرما بتداول قصص الجان لأنها من المخلوقات التي لا تُرى، ولا تُلمس.. ولا تُشم.. بل إن كلمة الجن في معناها تعبير عن الاختفاء والظلمة، ولهذا يقال "جُن الليل" أي دخل واقتحم. وعليه فإن أردت أن تعرف وزن الأقوام والدول فانظر إلى حجم اهتمامهم وتعلقهم بغوامض وخوافي الأمور. ثم انظر إلى الأقوام والدول المتخلفة في هذا العالم لترى ذلك فيهم، وانظر إلى الدول المتقدمة والشعوب المتحضرة لترى قلة اعتدادهم بهذه الأوهام، فإن اتفقت معي فيما مضى من كلام فإنني أزيد على ذلك بأن أعزو زيادة الاهتمام بالأوهام وتعاطيها إلى الانفجار الفضائي الذي جعل كثيرا من القنوات التلفزيونية سوقاً رائجة لتسويق الخزعبلات وبيعها على سوقة الناس بما يشيع حالة من الارتخاء في المفاصل والحواصل وتثبيط الهمم والذمم.

لقد وجد المحبطون، المهزومون، المنكسرون، العاطلون، في هذه القنوات نافذة تبيعهم الرجاء مخلوطاً بالخدر، من خلال البرامج التي تعرض حظوظ الناس عبر الأبراج وتواريخ الميلاد، أو من خلال قراءة مستقبلك وشخصيتك وما يقُُسم لك من خلال صوتك أو خط كتابتك أو حتى من خلال برامج تفسير الرؤى.

وتعبير الأحلام الذي صار بضاعة مزجاة ملقاة على قارعة الطريق يلتقطها ويدعيها كل من يحلم بالجماهيرية والشعبية الزائفة، ولأننا على مشارف عام ميلادي جديد فإننا بانتظار ما ستلفظه بعض القنوات الفضائية من لقاءات مع بعض

ضاربي الودع والبصارين الذين ينشرون توقعاتهم لأحداث العالم السياسية والاقتصادية والرياضية والفنية وغيرها.. سيخرج كل هؤلاء من القمقم ليقولوا لنا ماذا سيحدث لنا.. ولغيرنا.. وسيطلعوننا على ما سيحل بنا وبالعالم من حولنا. سيقولون لنا إنهم قد توقعوا "الربيع العربي" وما سيمر بالعالم.. وعندما تسألهم كيف؟ سيقول لك أحدهم إنه قال للمذيع يا عزيزي وكررها أكثر من مرة لأنه يلمح إلى "البوعزيزي" الذي كان سبباً في ثورة تونس، لكنه لم يكن يستطيع التصريح خوفاً من الانتقام! وسيقول آخر إنه قال في ختام الحوار معه أتمنى لك وللمشاهدين عاما سعيدا و"مبارك"، وكان يشير ضمناً إلى ما سيحدث للرئيس حسني مبارك.

ولكي أحرق على هؤلاء المنجمين الذين تجد كتبهم وبرامجهم رواجاً عجيباً ومكاسب ضخمة فإنني سأسبقهم إلى قراءة "غيبية ميتافيزيقية" لأحداث عام 2012.

- سيكون عام 2012 عاما حاشدا بالأحداث الدراماتيكية العجائبية، حيث يتوقع انقلاب عسكري في إحدى الدول العربية، لأن أحدهم كان يقود سيارته بسرعة كبيرة في إحدى الطرقات.

- اكتشاف علاج طبي حاسم للصلع في لسان البقرة، ولا يمكن استخلاصه في دواء أو عقار وإنما يقتضي الأمر زيارة الحظيرة والانحناء أمام البقرة لتتولى لحس البقع الخالية من الشعر، ولا بد من إعادة الزيارة في الحظيرة مرات عدة بحجم غزارة الشعر المفقود.

- زكام شديد يصيب مطربة عربية شهيرة في (صباح) يوم مطير.

- كلام كثير عن مدرب المنتخب "ريكارد" وأظن أنه سيستمر مدرباً للمنتخب السعودي أو ربما تتم إقالته.

- حمل النجمة الفنانة "ع. ي. ب" يفضح زواجها السري.

- مناقلات وتبادل لبعض مقاعد رؤساء تحرير بعض الصحف السعودية.

- عودة لاعب شهير من ناديه المستعار إلى ناديه الأصلي.

- وفاة أحد الأعلام تفاجئ الأوساط العربية.

- صدور كتاب "الكياسة في دهاليز السياسة" يكشف العديد من الحقائق والأسرار السياسية وصداه يتعدى آثار وثائق "ويكيليكس".

- توقع بارتفاع شديد للحرارة على مدينة الرياض.. وارتفاع نسبة الرطوبة على مدينة جدة، وتحديداً في شهري يوليو وأغسطس القادمين وسترون ذلك و"العرق يكذب الفطاس".

- اعتدال في طقس المصايف أبها والطائف مع نسبة جيدة لهطول الأمطار.

- فيضانات خلال العام القادم على إندونيسيا والفلبين وهزات أرضية في اليابان.

- عودة بعض المبتعثين السعوديين من الخارج بعد إنهاء دراستهم هناك.

- انفراج أزمة السكن في المملكة خلال الصيف حيث تكون أكثر المنازل غير مسكونة لسفر أهلها.

- بعد اجتماع المصالحة الفلسطينية الأخير سيكون هناك "حماس" يـ"فتح" الأمل لإقامة حفل بهذه المناسبة في غزة أو أريحا أو في "حيفا" وهبي.

ومع أن هؤلاء المدعين يتوقعون المتوقع ويطرحون الممكن، ورغم أن بعض توقعاتهم تصيب باعتبار أنها ضمن العموميات الدارجة المتواترة؛ إلا أنهم يكسبون من وراء هذا الكذب ويجدون لهم مريدين.. سماعين للكذب الذي يدغدغ أحاسيسهم ويطبطب على آمالهم.