إذا ما انحزنا للتعريف الذي يحدد الجيل بـ (25) عاما، فهذا يعني أننا مع جنادرية اليوم، سنبصر بدء تكون وتشكل جيل جديد، سيعايش الجنادرية على مدى ربع قرن مقبل، بدءا من الليلة.

جيل له محدداته وسماته الثقافية ورؤاه وتطلعاته وأشواقه، بل ووجوهه الخاصة التي تميزه. ويتأكد هذا متى تذكرنا بدايات الجنادرية، التي ظلت على مدى ربع قرن تحتفي بوجوه فكرية وإبداعية وفنية، ما أن بدأ الربع الثاني من القرن حتى توارت، وغادرت إلى الدارالآخرة، بعد أن شكلت على مدى سنوات واحدة من أهم ملامح (الجنادرية) فعلى صعيد الفن، مثل المطرب الراحل طلال مداح واحدة من أيقونات المهرجان إلى وفاته في 2000، وعلى صعيد الكلمة والفكر والإبداع ظلت تغيب مع نهايات القرن الماضي أسماء لا تنسى، يأتي في مقدمتها (عراب) المهرجان الشيخ عبدالعزيز التويجري، والشاعر عبدالوهاب البياتي، والروائي الطيب صالح، والمفكر محمد عابد الجابري، لكن أكثر الأسماء طزاجة في الغياب، والتي ستفتقد في مهرجان هذا العام (الدكتور غازي القصيبي، والدكتور محمد عبده يماني والكاتب محمد صادق دياب) رحمهم الله.

هذه الأسماء التي ما هي إلا أنموذج للغياب، وبداية ربع قرن جديد، تحفز الذاكرة على استرجاع سباق الهجن في عهد الملك فيصل 1974، حين كان الفيصل - رحمه الله- يخرج لمشاهدة السباق وكان من شوطين الأول العاشرة صباحاً والثاني بعد العصر، حتى كان عام 1984 حين اجتمعت لجنة لتحويل ذلك السباق إلى شكل احتفالي يعنى بالموروث الشعبي ورياضة الهجن برئاسة نائب الحرس الوطني آنذاك الأمير بدر.

فخرجت اللجنة التي تكونت من أكاديميين بتوصية، ولد على أثرها مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة الذي انطلق رسميا 1985، ليتنامى مع الوقت مسجلا نفسه، واحدا من أهم ملتقيات الفكر والثقافة والتراث على مستوى العالم العربي.

ربع قرن آخر إذن، وجوه تغيب، وأخرى شابة تحضر بكل ما يعبر عن راهنها ولحظتها الزمنية، وسط تطلعات حقيقية بأن تكون ندوات (مجتمع المعلوماتية واقتصاد المعرفة، ندوة الغرب والإسلام فوبيا، المملكة والعالم: رؤية استراتيجية للمستقبل)، قنطرة مثالية تعكس أنماط التفكير الجديدة، وروح العصر الذي لا تضخ فيه الحيوية إلا عنفوان المعرفة، وألق الكلمة وشفافية المعلومة.