الابتزاز واستغلال النفوذ من أجل تحقيق رغبات ومطالب شخصية يعد من أسواء جرائم العصر، وذلك نظرا لكونه من الجرائم غير المرئية والتي تقع بعيدا عن أعين العامة ولا يوجد فيها تكافؤ، لأنها تحدث بين طرف قوي يمتلك القوة والسلطة والنفوذ وآخر ضعيف في معظم الأحيان. ولقد اهتمت بعض المجتمعات بهذا النوع من الجرائم بشكل لافت، وأوجدت القوانين والتشريعات الخاصة الكفيلة بإنزال أقصى العقوبات بالمرتكبين لها وفضحهم وإقالتهم من أعمالهم ومراكزهم التي أساؤوا استغلالها، حتى أضحت عقوبة هذه الممارسات مؤلمة جدا، وربما تصل إلى السجن عدة سنوات وغرامات باهظة تقصم ظهر من دعته نفسه المريضة إلى العبث بإنسانية الآخرين وعدم احترام آدميتهم.

وبالنظر إلى المجتمع السعودي نجد أنه لا يزال ينقصه الكثير في التعامل مع هذا النوع من الجرائم على المستوى الرسمي والشعبي، حيث لا توجد عقوبات واضحة ولا توجد ردة فعل اجتماعية رادعة لمن يرتكبون هذا النوع من الممارسات، وذلك بسبب غياب الوعي الاجتماعي والتشريع العقابي لهذا النوع من الجرائم.

ومن ناحية ثانية نجد أن هناك نوعا جديدا من الابتزاز يمكن تسميته الابتزاز الإلكتروني، انتشر كثيرا في المجتمع السعودي، حيث انشغل بعض التافهين ومن في قلوبهم مرض بتتبع عورات الناس ومحاولة الحصول على معلوماتهم وأسرارهم وصورهم الشخصية بهدف ابتزازهم ومساومتهم ماديا وأخلاقيا، والتهديد بنشرها في شبكة الإنترنت، وأصبح الهدف الوحيد لهؤلاء هو كيفية إيذاء الآخرين ونشر أسرارهم، وأصبح فكرهم محصورا في كيفية إلحاق الضرر بالآخرين وخصوصا النساء.

من يقرأ ما ينشر في وسائل الإعلام عن قصص الابتزاز لا يحتاج إلى من يقنعه بأننا أصبحنا مجتمعا يعاني من النزعة الفضائحية لبعض أفراده الذين نذروا حياتهم لتتبع الفضائح ونشرها وابتزاز من يحصلون له على سر وبطريقة قذرة تكشف عن نفسيات مريضة غارقة في مستنقع الجهل والدناءة، وتعيش السقوط الأخلاقي في أبشع صوره. وهذا السلوك يثبت أن لدى البعض خللا واضحا في منظومة القيم والمعتقدات التي يؤمنون بها بكل ما تحمله من تناقض بين تربيتهم الإسلامية شكليا وبين سلوكهم الذي لا يعكس أنهم من أبناء المسلمين. المتتبع لهذه المشكلة لا يبرئ ساحة بعض ضحايا هذا النوع من الابتزاز وذلك من خلال السذاجة والثقة والتفريط في الأمور الشخصية الهامة، مثل ترك الحاسوبات الشخصية لدى محلات الصيانة وهي مليئة بالصور الخاصة لأفراد العائلة. والأسرة تتحمل جزءا من وقوع بعض أفرادها ضحايا لهذا النوع من الجرائم، فالاستقرار الأسري والإشباع العاطفي داخل حدود الأسرة مهم جدا حتى لا يضطر بعض أفراد الأسرة إلى البحث عن هذه الحاجة المفقودة خارج حدود الأسرة.

الأشخاص الذين هدفهم الأول في هذه الحياة ينحصر في التفكير في كيفية فضح الآخرين ونشر صورهم والتلاعب بأسرارهم ما هم إلا نتاج تنشئة اجتماعية مختلة، تنظر بإعجاب إلى بعض هذه السلوكيات، وهذه حقيقة قائمة مع الأسف حيث ينظر البعض إلى هؤلاء الأشخاص بشيء من الإعجاب لأنهم استطاعوا أن يقوموا باختراق مواقع الآخرين.

الابتزاز في المجتمع السعودي اتسعت دائرته في الفترة الأخيرة لتشمل شرائح من الوافدين من مختلف الجنسيات، وهذا مؤشر خطير يعكس وجود فجوة أمنية وعقابية واضحة، وهذا يمكن اعتباره منعطفا خطيرا في سلوك هذه العمالة الذي وصل إلى درجة تحدي المجتمع من خلال الإقدام على هذا النوع من الجرائم الأخلاقية، ويثبت أن بعض الجنسيات من هذه العمالة دخلت في مرحلة خطيرة، خصوصا أن جرائم الابتزاز ومساومة النساء على أعراضهن جريمة بالغة الخطورة لم نسمع بمن يقدم عليها من العمالة قبل عدة سنوات، ويعد ارتكابها مؤشرا خطيرا في الحياة الاجتماعية لبعض الوافدين، وتدل على أن اهتمامهم بدأ يتحول إلى التفكير في كسب المال بطرق غير مشروعة لم تكن ممارسة في الماضي، وقد يكون السبب في ذلك سهولة الحصول على مبالغ كبيرة جدا يحصلون عليها من ضحايا الابتزاز من أجل إنهاء المشكلة.