بعد دخول التقنية متغيرًا أساسيًّا على مناحي الحياة العصرية، كان تأثير الإنترنت الإعلامي على العالم العربي بشكل عام أكثر من تأثيرها العلمي والعملي، وعلى سلوك الأفراد أكثر من تأثيرها على أداء المنظمات.

هذا المتغير التقني صاحبه تغير في القيم والعادات والسلوك الاجتماعي، وتفاوت في مستوى ما يطرح في المواقع والمنتديات المحلية، ووجد كل ضالته، (وأنفق كل مما عنده). وبقدر ما كان العمل الإعلامي الإلكتروني وسيلة تعريف وإعلام، كان أيضا وسيلة كشف لبصمة دين مستخدميه وأخلاقهم وفكرهم ووطنيتهم، وبقدر ما يهب من حرية بقدر ما يعرض عقل صاحبه بوضوح للمتلقي؛ حتى وإن تقمص أجمل الأسماء المستعارة. فتجد من هذه المواقع الجاد المفيد، وتجد الطرح السطحي، والساخر المسلي، كما تجد الطرح الساخط أو ما يسمى بـ(السلبية الإلكترونية)، وهو خط ساخط يحاول أن يركز على مساوئ الأشخاص والمنظمات والحكومات في محاولة لتشويه سمعة أو تأثير على قرار أو تحريض على فتنه إلكترونية، وهو خط لا يعرف للموضوعية معنى ولا للنقد البناء طريقًا.

هذا الخط الساخط المغالي هو الذي يجب التنبيه عنه، وتحذير المجتمع منه، ووضع الجزاء الرادع له. فقد عانى منه المجتمع بكل أطيافه وبكل شرائحه، عانى منه الدين فجاءت الأفكار الإرهابية، وعانت منه المناطق فجاءت الأفكار المناطقية، وعانت منه القبائل فجاءت الأفكار العصبية، هذا الخط لوحة مفاتيحه بين أصابع سفيه أو مأزوم أو حاقد أو أجير، أمنوا العقوبة فتمادوا في إساءة الأدب. وبدعوى الحرية يمارسون (اللا أخلاق)، وبدعوى الشجاعة يمارسون الوقاحة، وبدعوى الوطنية يمارسون (اللا مسؤولية). إذا ناقشوا فجروا وإذا جادلوا فجروا وإذا كتبوا فجروا.

ترك المجال والنطاق الإلكتروني مفتوحا لمثل هؤلاء هو الخطأ بعينه، وعدم تفعيل العقوبات على مثل هذه المواقع هو الكارثة بذاتها، لقد دفعنا ثمن النية الحسنة والتساهل مع ثقافة الكاسيت مئات الشهداء، ومثلهم في السجون عوضا عن المليارات التي صرفت على مكافحة الإرهاب، وأخشى لا قدر الله أن ندفع ثمن التساهل الإلكتروني غاليا من ترابطنا الاجتماعي، فلا يجوز أن يسمح لشخص أو شخصين أن ينشئا موقعًا باسم منطقة غالية، أو قبيلة عزيزة، أو أي جهة اعتبارية أخرى، دون الرجوع إلى موافقتها الجماعية، ثم موافقة الجهات الرسمية؛ لنضمن ألا يساء من خلال هذه المواقع للدين أو للدولة أو للمجتمع.

تتويت:

الإنترنت هو السلطة الخامسة، وترك المجال بإنشاء مواقع تحمل أسماء اعتبارية دون موافقة أصحابها هو تعدٍ على أبسط حقوقها، وعلى جميع من ينتسب إليها، وبدون آلية منظمة لمثل هذه المواقع وتطبيق صارم لنظام الجرائم الإلكترونية ربما يساء استغلال مساحة الحرية في التعدي على تاريخ مجتمعنا السعودي وقيمه وترابطه وخصوصيته.