الشارب الكث والرقبة المعوجة و"الأستذة" الاصطناعية على الشاشة، لا تصنع ثورة ولا تحرر وطنا ولا تكتب دستورا، لذلك كله هرب المنظر القومي إلى الوصفات اللفظية في كيفية بناء الأنظمة والمجتمعات ونسي شعبه ووطنه ومدينته، ليتفرغ لبيع المفرقعات النارية الدبلوماسية والشقلبات السياسية على من يشتري.
وفي زمن يضيق بالقومية يسوق بياع الخواتم القومية بضاعته الرديئة كل يوم في الدكان الفضائي على مصطبة التحريض والعقد المركبة، ناسيا أن الشباب الذين انفجرت بهم الساحات والميادين لم يكن ليخرجوا لو كانوا مؤمنين بالوصايات والاسترشادات والأبوات الفكرية، لم ينتظروا أن يسوق عليهم الهارب من وطنه مفهوم الوطنية، لم ينتظروا أن يقرأ عليهم مزاميره المثقوبة لأنهم لو كانوا يؤمنون أصلا بهذه المفاهيم لما ثاروا، ثاروا لأن ثمة مثقفين متناقضين مزدوجي المعايير انتهازيين يجأرون، ويهربون من استحقاقاتها عبر ركض تلفزيوني تنظيري ومراهقات بصرية، مثقفون من نمط عزمي بشارة يرى بعين ويسمع بأذن، عزمي الذي يحاول بفوقيته المستفزة وحواراته ذات المسار الواحد أن يقول لنا ما الذي ينبغي فعله، فيما الفعل الحقيقي ألا نسلم عقولنا لمن أراد مداعبتها بشعارات يشتريها من متحف التاريخ يداري هويته الحقيقية تحت مسميات فضفاضة..
اليوم ليقل لنا عزمي بشارة لماذا يترك وطنه وحيدا، فيما الآخرون من أبناء وطنه يدفعون السنين من أعمارهم خلف الزنازين، اليوم يبيح عضو الكنيست وحامل الجواز الإسرائيلي لنفسه أن يقتعد كرسيه الفضائي ويطعج رقبته ممسدا شاربه ليحاضر عن فضائل النضال وضرورات الكفاح المرحلية التي هرب منها بجواز سفر إسرائيلي وعضوية كنيست مسحوبة ووطن تحت الاحتلال وشعب يموت منذ قرن.