هناك سؤال أعده من أصعب الأسئلة التي قد نجد لها إجابة واحدة، فحين يطرح رغم بساطته وقصر عبارته إلا أن الحديث في الإجابة عنه يأخذ مناحي متعددة وكثيرة ألا وهو: (ماهو الوطن؟).

الإجابة المثالية هي أنه المساحة الجغرافية المحددة التي تعيش عليها مجموعة متآلفة من الناس, تجمعهم وحدة التاريخ والتراث والآمال والآلام. ولكن من وجهة نظري بأنه ليس هناك إجابة نستطيع أن نختزل فيها ماهية الوطن, فكل من ينتمي لأرض واحدة لا بد أنه يعشقها ويجد أنه مهما قال عنها لا يوفيها حقها.

في وطننا الحبيب، ورغم المساحة الكبيرة التي نعيش عليها، ورغم التعدد والتنوع الثقافي لدينا؛ إلا أن أبناء هذا الوطن يدركون أن وحدتهم وتقاربهم شيء حتمي ألفوه، ولن يرضوا بالتفريط فيه مهما كلف الأمر، فكل سعودي يأنس للعرضة النجدية، وفي نفس الوقت يطرب للدحة الشمالية ويتمايل مع المزمار الحجازي ويسمو مع صوت الزامل الجنوبي ليعانق به شرق المملكة.

ولكن تجد أحياناً هناك قلة شاذة من بعض الفئات، يسعون للفرقة بمحاولتهم زرع الفتن بين أبناء الوطن الواحد من خلال خلق الاختلافات المذهبية أو الفكرية. وهنا تأتي ضرورة التوعية من قبل المثقفين والدعاة الصالحين، وذلك بأن يتبنوا الخطاب المعتدل المتسامح الداعي للتقارب والألفة بين الإخوان على أرض هذا الوطن القائم على الشريعة الإسلامية.

إن ذلك يتطلب سن قوانين صارمة تجرم كل خطاب تكفيري أو غير متسامح وغير متقبل للآخرين أو يسعى للفرقة وكل أمر من شأنه جلب الفتن.

دائماً ما يكون التنوع الثقافي والفكري مثريين للأوطان، ويجب أن نفخر بتنوعنا الثقافي ونجسده على أرض الواقع، فلكل جزء من هذا الوطن الغالي إرث ثقافي مـختلف نسبياً عن الأجزاء الأخرى، وهذا يكون مصدراً للإبداع الذي ينهل من منابع التقاليد الثقافية ويزدهر بالتواصل مع الثقافات الأخرى.

إن كل مواطن مخلص ينظر لوضعنا بعين الحريص على أمن واستقرار هذا الوطن مهما كلف الأمر. ولا شك أن على النخب الثقافية والفكرية دوراً كبيراً في المشاركة بقراءة الأوضاع، دون أن تثير الفتن وتصبح عائقاً بدلاً مـن أن تكون حلاً، وفي المقابل من الواجب أن تكون هناك محاسبة لكل مقصر أو متخاذل في حق أمـانته من أجل الوصول إلى الأهداف المنشودة التي وضعتها القيادة، وللقضاء على مكامن الفساد و المعوقات التي تقف في طريق الإصلاح والنهضة.

هناك من لا يقبل أن يشاركه الآخرون في تمثيل صوت المواطن، ويعتقد أن الوطن حصر عليه أو على أفراد دون آخرين أو فئة دون أخرى، وهؤلاء أشد خطراً على الوطن من غيرهم؛ فممارسة التمييز بين أفراد الوطن بأي شكل من الأشكال غير مقبولة, وهناك أيضاً من يعد نفسه صاحب صوت حقوقي أو فكري أو ثقافي ويرى بأنه من الواجب بأن يكون في مقدمة الأصوات، ويصر على أن الصواب ملازم لآرائه، وأن من يخالف رأيه ليس إلا إمعة لا يعي مصلحة الـوطن ومتطلباته, وقد نجدهم أحياناً يزعمون أنهم يمثلون فكراً معيناً أو شريحة معينة وهم في حقيقة الأمر ليسوا سوى أصوات باحثة عن الشهرة أو عن أهداف تخصهم.

أبناء الوطن بكافة أطيافهم وتنوع أفكارهم مؤمنون بأن الوحدة والاستقرار مطلبان أساسيان، وأن هناك الكثير من الآمال التي ينشدها الجميع لتحقيق الكثير من طموحاتهم كمواطنين بكافة المجالات، بيد أنها لاتكون إلا بالتكاتف والتآخي وبالحوار الشفاف الصادق.

لنتنوع ونختلف ونتفق وفق حيثيات لا تجعل أحداً ينظر للآخر بعين الشك والريبة أو يرميه بتهمة التخوين والتكفير، ولنعطي الأجـيال القادمة دروساً من الحب والتآخي اجتمع عليها أبناء هذه الأرض المباركة، وظلوا متعايشين بها عـقوداً من الزمان في أمن وأمان.