مع حلول موعد الامتحانات الجامعية ومع الأخبار التي تتناقلها صحافتنا حول استياء طلاب التعليم الجامعي من أنماط وطبيعة الامتحانات، فإني آمل أن يتسع صدرنا لحقيقة أنه يتوجب علينا أن نقفز بالعملية التعليمية وبمناهجنا إلى احتياجات الواقع الجديد لطلابنا. طلاب اليوم ليسوا طلاب الأمس وما يشغل يومهم وتفكيرهم بعيد تماماً عن أسلافهم طلاب الأمس.
الثورة التكنولوجية والاتصالاتية التهمت كل شيء وأصبح كثير من الطلبة يشغلون وقتهم في سباق معها، وأعداد مستخدمي الإنترنت من الشباب تتصاعد بوتيرة كبيرة للغاية، وكل جامعاتنا تقريباً تطالب الطلاب بالدخول لأي من أنظمة الجامعة الإلكترونية في أمور التسجيل والحذف وكافة الخدمات التي تقدمها الجامعة، بل إن كثيراً من الأساتذة يطالبون الطلاب بعمل عروض لمواضيع دراسية وأبحاث عبر التطبيقات الحاسوبية المتاحة اليوم. فوق ذلك، الطلاب يشاركون في المنتديات الطلابية التي تتيح لهم الحصول على معلومات تهمهم حول الأستاذ وحول المنهج من أقرانهم الطلاب.
ملخص الكلام أن طلابنا اليوم تغيروا ومناهجنا لم تواكب "التغيير" بكل أبعاده. صحيح أن الأستاذ الجامعي أصبح يدرس المادة عبر الشاشات وقلة منهم ما زال يستخدم السبورة (وخاصة في المواد التي تستخدم لغة الأرقام الرياضية)، لكننا ما زلنا بعيدين عن استغلال ماهو متوفر على شبكة الإنترنت وخاصة موقع الـ "يوتيوب" (YouTube) الذي يتيح الآن ثروة إنسانية هائلة لم تكن متوفرة بالأمس، وهو من المواقع المحببة إلى نفوس الطلاب يلجؤون إليه لمشاهدة مقاطع الفيديو التي تروق لهم وتسليهم.
الزيادة الهائلة في محتوى قناة الـ "يوتيوب" دفعتني لتجريب بعض مقاطع الفيديو في التدريس. على سبيل المثال هناك مقاطع فيديو عديدة يمكن من خلالها إيصال حجم هائل من المعلومات للطلاب لشرح نظرية في القيادة الإدارية أو التخطيط أو التنظيم أو الرقابة، على سبيل المثال.
وأكاد أجزم أن هناك مقاطع فيديو في أي شيء نريده.. فقط علينا بالبحث.
كنت أعرض هذه المقاطع على الطلاب في المحاضرة لإيصال المفاهيم العلمية التي أريدها بشكل حديث. وجدت رغبة جامحة لدى الطلاب في هذا الاتجاه. وفي أحد الأيام اضطررت للتغيب عن محاضرة وأردت إفادة الطالب في الوقت الذي سأتغيبه.. طلبت منهم في المحاضرة السابقة أن يشاهدوا مقطع فيديو معيناً تم إرساله لهم بالبريد الإلكتروني، وأن يجيبوا عن أسئلة محددة حول بعض مفاهيم المنهج الدراسي وعلاقتها بمقطع الفيديو. كانت تجربة ثرية بالنسبة لي، دفعني حماس طلابي إلى إنشاء موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت وضعت فيه عدداً من مقاطع الفيديو التي أستخدمها في التدريس. الموقع متاح للجميع وما زال متواضعاً لكنه البداية.
عنوان الموقع هو http://vccipa.blogspot.com/ .
أحد الطلاب تحمس للفكرة وأرسل لي رابطاً لمقطع فيديو يحوي نقاشاً مهماً بين مفكرين له علاقة وثيقة بالمادة العلمية التي أدرسها. مدة المقطع حول 25 دقيقة.. كل صورة وكل جملة وكل كلمة تغني عن آلاف الكلمات في منهج المادة.
مشكلتنا مع طلابنا أنهم يريدون منا القيام بتطويع معلومات المنهج في شكل حديث وجذاب يتماشى مع قدراتهم ومهاراتهم الحالية. في الطرف الآخر ما زال هناك من الأساتذة من يؤمن بأن طرق المحاضرات والامتحانات التقليدية في التعليم هي الأساس في مواجهة قصور المخرجات الجامعية. ما نحتاجه اليوم هو تجسير الفجوة بين أساتذة الجامعات حول كيفية تطبيق مفاهيم التعليم بما يتناسب مع احتياجات الجيل الحالي وليس الجيل الذي ولى. تجسير الفجوة يحتاج إلى كثير من النقاش والحوار وصناعة القرار الذي يكفل احتواء الطلاب وعدم صعود ردود أفعالهم إلى ما لا تحمد عقباه.
الطالب في النهاية ليس عدواً لنا... الطالب الجامعي الذي يدرس في مدرجاتنا اليوم سيكون في مواقع اتخاذ القرار غداً. كلنا لا نريد أن نخرج جيلاً محبطاً لا هم له سوى الانتقام مما حوله. مخرجات الجامعات حالياً إن كانت تعكس شيئاً فهي لا تعكس إلا فشلنا نحن في استيعابهم واحتوائهم بعيداً عن مفاهيم وأفكار نحن غير مقتنعين بها أساساً.. لكن رغم ذلك لا نملك إلا أن نسير عليها.