الحديث عن التقارب السياسي بين الإسلاميين، خاصة تيار "الإخوان المسلمين"، والولايات المتحدة الأميركية، أضحت "علانيته"، أوضح من ذي قبل، خاصة بعد "الثورات"، التي اجتاحت أجزاء من المنطقة العربية، وبعد أن كانت الحركات الإسلامية "الفزاعة التي استخدمها عدد من الأنظمة العربية" لتخويف "الضغط الأميركي والأوروبي"، من فرض "الدمقرطة"، على الخارطة العربية.

الحوارات الأميركية في السابق كانت تتم بواسطة "المراكز البحثية"، أو "شخصيات مقربة من الأسرة الأميركية الرسمية"، ونادراً ما كانت تأخذ "منحى الرسمية من خلال سفاراتها الخارجية"، التي كانت دائماً تقابل "بالاحتجاج وعدم الرضا من قبل الحركات نفسها والقيادة السياسية الرسمية للدولة".

إلا أن ما يمكن اعتباره بـ"وضع سياسي جديد"، بدأ يطفو على السطح خاصة بعد نجاح الثورة المصرية في 25 يناير الماضي، وتنحي محمد حسني مبارك حليف الولايات المتحدة المقرب، والذي خرجت من خلاله تصريحات وضعت في خانة "البراجماتية السياسية الأميركية النفعية"، والتي جاءت على لسان مسؤولة الملف الخارجي هيلاري كلينتون في "ترحيبها الواسع" نحو مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في إدارة دفة "القيادة المصرية"، لحد يصل إلى الاستحواذ الفعلي على السلطة ولو بشروط، الأمر الذي اعتبره عدد من المحللين مغازلة مبكرة من واشنطن للإخوان، وتأسيس مرحلة "انتقالية جديدة" بين الإسلاميين والأميركان.

تحليل موقف واشنطن

الباحث نيروز غانم ساتيك بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قدم تقريراً بحثياً، أشار فيه إلى أن "الاستعداد الأميركي لقبول حكومات إسلامية في المنطقة العربية لم يأت من فراغ، ولا يشكّل في أيّة حال قفزة في المجهول، وإنما له سوابق ومبرّرات وحتى استعداد نفسي وسياسي. إذ اكتشف الأميركيون أهمية الإسلام في الوعي الجمعي للمنطقة العربية وحياتها السياسية منذ الحرب الباردة".

حديث الباحث نيروز له ما يبرره في تاريخ الواقع السياسي المعاصر، حينما وجد الأميركيون في "الإسلام المحافظ" شريكاً طبيعياً لمواجهة قوى المدّ الشيوعي وشركائها من القوميّين العرب الذين فشلت واشنطن في استمالتهم لصالحها بعد سنوات من المناورة بينهما، خضعت لأدبيات الحرب الباردة واعتباراتها. وتوسّعت هذه الشّراكة لتشمل قوى الإسلام السّياسي مع الغزو السوفيتي لأفغانستان. ففي عام 1979 ابتكر مستشار الأمن القومي الأميركي "زبغينو بريجنسكي" مفهوم "الحزام الأخضر" لتطويق التمدد السوفيتي الجديد.

بريجنسكي رأى أن نشوء أنظمة إسلامية في منطقة الشرق الأوسط، مدعومة أميركياً، سيكون بإمكانها، وبما لديها من دعم جماهيري قاعدته الإسلام، أن تشكل بدائل حقيقية للنظم الاستبدادية القائمة من جهة، وأن تكبح جماح الحركات اليسارية والشيوعية المدعومة من الاتحاد السوفيتي.

المصلحة أهم الأدوات

"قصة الاهتمام الأميركي بالإسلاميين بشقيهم المحافظ والراديكالي"، اختلفت قليلاً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. لم تغير الولايات المتحدة سياستها كثيراً لجهة استعدادها للتعامل مع الإسلاميين، ما دامت مصلحتها تقضي بذلك، وبرز ذلك واضحاً خلال الصّراع الذي بدأ بين الدولة والإسلاميين في الجزائر مطلع التسعينات من القرن الماضي، فبينما كانت فرنسا متحمسة لسياسة محاربة الإسلاميين في الجزائر، كانت واشنطن تفتح خط الاتصال مع المعارضة الإسلامية عبر "أنور هدام" الناطق باسم جبهة الإنقاذ الإسلامي عن طريق استضافته على أراضيها، ثم ساهمت الولايات المتحدة في اتفاق الهدنة بين المؤسسة العسكرية وجيش الإنقاذ الإسلامي، والذي أسفر عن تولي "بوتفليقة" للرئاسة في الجزائر، وهذا ما يفسر عدم انتقاد الولايات المتحدة لنتائج الانتخابات، ولماذا انتقدت فرنسا تلك الانتخابات بعد محاولتها الابتعاد عن الجيش لموازنة الموقف مع الولايات المتحدة، ولماذا شن نظام بوتفليقة حربه الإعلامية على فرنسا، من خلال ذلك استطاعت الولايات المتحدة حفظ حياة الأميركيين العاملين في صناعة النفط الجزائرية، في وقت فقدت فرنسا فيه الكثير من رعاياها.

"ساتيك" يعطي نوعاً آخر من التحليل للموقف الأميركي، مقارنة "بمواقف القوى الكبرى الدولية"، الذي يعطي دلالات على الخارطة السياسية المقبلة، ويقول "من يراقب المواقف الدولية من الثورتين المصرية والتونسية، يجد أن الولايات المتحدة هي الأقل خوفاً من القوى الدولية الكبرى من احتمال صعود قوى إسلامية في مصر وتونس"، ويعلل ذلك بأن "واشنطن دون كل المجتمعات الغربية الأخرى، ليس لديها حساسية تجاه الدين، فأميركا مقارنة بالأوروبيين الذين يتوجسون خوفاً من كل ما هو ديني "منفتحة" من واقع تجربتها التاريخية على التعامل مع حكومات ذات أيديولوجيات مختلفة، وهي لم تشهد صراعاً من النوع الذي عرفه الأوروبيون ضد الكنيسة والدين، بل كان الصراع الرئيس الذي شكل التاريخ الأميركي عرقياً ضد الهنود الحمر ثم الأفارقة لاحقاً".

يضاف إلى ذلك "أن الأميركيين وخلافاً للأوروبيين لا يبدون قلقاً إزاء وجود جالية مسلمة كبيرة في أراضيهم، وحيال قضايا أخرى مشابهة تتعلق بسياسة الدمج والأجناس والحجاب، خلافاً لما يحدث في أوروبا حيث يتمثل "خطر الهجرة الوافدة" في المسلمين، نجد أن هجرة السكان الناطقين بالإسبانية في أميركا اللاتينية هي التي تلعب هذا الدور في الولايات المتحدة".

التدجين الأميركي للإسلاميين

الكاتب السياسي ياسر الزعاترة، اختلف في سياق حديثه إلى "الوطن"، مع ما ذهب إليه الباحث ساتيك من تفاصيل في "العلاقة المرتقبة" بين واشنطن والإسلاميين "تيار الإخوان" على وجه الخصوص، إذ يقول "إن التقارب بدا واضحاً وجلياً لدى إخوان مصر واليمن"، مشيراً إلى أن سياق العلاقة السياسية قائم على "حكم الاضطرار السياسي"، ويمضي الزعاترة، المتخصص في تحليل "الظاهرة الإسلامية"، إلى القول "إن الإدارة الأميركية لديها قناعة سياسية بأنه ليس هناك قوة سياسية راديكالية إلا ويتم تدجينها، مثل ما حصل مع قوى اليسار".

ويضيف الزعاترة بقوله في محور الاحتواء الأميركي للإسلاميين "لدى صناع القرار في البيت الأبيض رؤية بإمكانية تطبيق سياسة الاحتواء في السياق العربي عبر تدجين الإسلاميين، إلا أن هذه مسألة معقدة جداً، لوجود تقاطع كبير في المصالح الأميركية بالمنطقة، أولها مسألة حماية المصالح الإسرائيلية، وعدم المساس بها، بل والاعتراف بها، وهو ما سيمثل – برأي الزعاترة - خسارة شعبية لأي حركة إسلامية تصل لقوة السلطة".

الزعاترة يقدم ما يمكن تسميته "وصفة الوقاية السياسية الاستباقية في التعامل بين الأميركان والإخوان"، والتي تضمن وفقاً لرأيه تعاملا نديا، جاء فيها "عدم تسييد الإسلاميين للمشهد السياسي، وعليهم أن يديروا المشهد بالتوافق مع القوى الوطنية الأخرى"، فيما النقطة الوقائية الثانية "عدم إضعاف لغة الخطاب مع الأميركان، إذ هم في العقل الجمعي العربي الشعبي في خانة الأعداء، وإضعاف ذلك سيسبب لهم تنازلاً شعبياً كبيراً".

إسرائيل الساخط الأكبر

من خلال رصد "الوطن" لمسار الصحافة الإسرائيلية من مجمل "الثورات العربية"، يلحظ سخط تل أبيب من "الرؤية الأميركية"، نتيجة لهذا التقارب والتقاطع مع الإسلاميين، محملين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مسؤولية ما يحدث، فقد نشرت صحيفة "يسرائيل هايوم" تحليلاً للباحث الإسرائيلي إيزي ليبلار، في منتصف فبراير الماضي، حذر فيه من "تقليل شدة الأخطار، إذا أصبح الإخوان المسلمون قوة عظيمة التأثير في النظام المصري الجديد – حتى لو عملوا تحت غطاء سياسي ذي وجهين كمحمد البرادعي أو عمرو موسى، فكلاهما موال لإيران. إن سنوات السلام البارد قد تقطع على نحو مفاجئ، وقد نضطر إلى مواجهة جيش عظيم ذي قوة عنيفة يتمتع بالسخاء الأميركي الذي يشتمل على أحدث المعدات العسكرية أيضا".

ليبلار انتقد إدارة الرئيس باراك أوباما وقال "إنه المسؤول عن هذا الوضع، ففي خطابه في القاهرة في 2009 استعمل المهادنة مع المتطرفين الإسلاميين، بل دعا أعضاء في حركة الإخوان المسلمين إلى الاستماع إلى خطابه. واندلاع الاضطرابات أضر بالثقة بأميركا في المنطقة، بخيانة حليفها الرئيس مبارك، بل عبر متحدثو الإدارة عن تأييد مشاركة الإخوان المسلمين في الحكومة الديموقراطية الجديدة" مضيفاً "علاوة على ذلك، فإن الدولة المسلمة المعتدلة التي ستظل موالية للغرب، ستخضع للضغط لتتوحد تحت الأصولية الإسلامية، وستوحد السنة والشيعة أيضا تحت كراهية إسرائيل والغرب، وستكون التأثيرات الاقتصادية والعسكرية والسياسية وخيمة".

هذا الواقع "الدال على صعود قوى إسلامية لدفة القيادة السياسية"، جعل إدارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تطلق "مشروع مارشال" لتشجيع السيرورات الديموقراطية في العالم العربي لمواجهة "التطرف" الإسلامي، وأشارت صحيفة "معاريف" إلى أن نتنياهو يعكف على تشجيع إنشاء صندوق دولي لتشجيع السيرورات الديموقراطية وتعزيز النمو الاقتصادي في الدول العربية، وذلك لمنع وقوعها تحت سيطرة أحزاب إسلامية متطرفة.

فيما أشارت صحيفة "هآرتس" إلى أن نتنياهو "حذر من احتمالية سيطرة القوى الراديكالية على مصر والدول العربية، وليست قوة علمانية معتدلة".


توزيع الحركات الإسلامية


عدد من خبراء الحركات الإسلامية، يشيرون إلى أن الإدارة الأميركية توزع تلك الحركات إلى عدة فئات:

•فئة العدو المسلح "كالقاعدة وطالبان".

•فئة الحليف الواقع تحت سقف العلمنة "حزب العدالة والتنمية التركي نموذج".

•الحليف الإسلامي المعتدل المؤقت ضد التطرف الإسلامي، مثل حالة المحاكم الإسلامية الصومالية (جناح الشيخ شريف أنموذج).

• المحاور الإسلامي المقاوم على أمل تغيير موقفه (حماس وحزب الله أنموذج).

•الإسلامي الذي يتم احتواؤه بعيدا عن السلطة مادام غير قابل للعلمنة (حالة إخوان مصر واليمن والأردن كأبرز أمثلة على ذلك).





موقف الدول الكبرى


• الموقف الروسي: لديه هواجسه الدينية بحكم التجربة الطويلة والدموية في إقليميْ الشيشان وداغستان، حيث لم تستطع روسيا إلى حدّ الآن ضبط الأمن في تلك المناطق، ولم تنجحْ في خلق هوية روسية موحّدة لشعوب تلك الأقاليم المحلية، بل حذرت صراحة وعلانية عن قلقها، والتحذير من خطورة وصول الإسلاميين إلى السلطة.

• الموقف الصيني: يستشعر الخطر من الحركات الإسلامية في إقليم شينغيانغ. حتى إنّ الحكومة الصّينية فرضت منذ بداية الثورة المصرية رقابة على مواقع البحث في المدوّنات الإلكترونية على كلّ ما يتعلق بمصر، بل منعت بعض الصّينيين من إيصال الورود إلى السّفارة المصرية أثناء رغبتهم في المشاركة في احتفال نظّمته السفارة بمناسبة سقوط مبارك، واعتقلت البعض منهم.