تحديات كبيرة تفرضها "مهنة المتاعب" على كل منتم لها، بدءا بغياب المعلومة ووصولا إلى قلة وتحفظ المصادر وعدم مرونة المسؤولين في بعض القطاعات لأسباب تتراوح بين عدم اقتناعهم بأهمية الإعلام أو تخوفهم من المسؤولية وتداعياتها.
وأمام ما تجده بعض الإعلاميات المنتميات للمهنة من صعوبات، يقف في الجانب الآخر عائق آخر يتمثل في كل ما تتعرض له الإعلاميات من مضايقات قد تعصف بحلمهن وتحد من شراكتهن في توعية وتثقيف المجتمع انطلاقا من الهدف الأساسي لوسائل الإعلام. ورغم أن بعض السعوديات اخترن سوق الإعلام السعودي، مدفوعات أحياناً بالحاجة إلى العمل، وغالباً ومن منظور أوسع بتحقيق الذات مهنياً وفكرياً، إلا أن عوائق نظرة المجتمع والتخوف من المضايقات بات هما يراودهن قبل الشروع في أعمالهن الصحفية التي ينتظرها القارئ كل يوم.
متاعب مضاعفة
تقول أمين عام مساعد هيئة الصحفيين السعوديين ولاء حواري إن العمل في مجال الإعلام له ثمن قد يكون باهظا في حالات كثيرة، يصل إلى فقد الوظيفة وتشويه السمعة والابتعاد الكامل عن الإعلام.
وتضيف حواري "أكبر مثال على ذلك ما تتعرض له الإعلامية من مضايقات، ومنها ما حدث مؤخرا في معرض الكتاب الدولي بالرياض، حيث تعدى المُتشددون على الإعلاميات أثناء تأديتهن عملهن وتطاولوا عليهن بكلام وصل إلى القذف في بعض الأحيان".
وتشرح حواري جانباً تعتقد أنه بالغ الأهمية مما تواجهه الإعلاميات، وهو أن "الخصم قد يكون أحياناً هو الحكم"، مضيفة أن الجهات التي يفترض أن تستقبل الشكاوى لها علاقة وثيقة بمرجع الإعلاميات، مما يضعهن في مأزق الحصول على حقوقهن المهدرة.
بداية الطريق
وترى الصحفية أروى خشيفاتي الأمر من منظور نسبي، إذ لا تعتقد أن المجتمع ككل غير متقبل لوجود إعلاميات سعوديات، وأن الأمر ليس بهذا السوء، مطالبة الإعلاميات بالصبر وتجاوز العوائق التي تصادفهن في بداية الطريق، مؤكدة أن المجتمع يحتاج إلى وقت لتفهم رسالة الإعلامية السعودية، في الوقت الذي ترمي الصحفية زين العلوي باللائمة على الأنظمة المتبعة والتي لا تحمي الإعلامية السعودية ولا تعينها على مواجهة وتحمل الصعاب.
تقول زين "الإعلامية تكون في الغالب متعاونة وغير متفرغة لمهنتها وتعامل بنظام القطعة، بل تخضع لفترات تجريبية وبعد ذلك يمكنها الحصول على مكافأة، وفي كل الأحوال لا يشملها علاوات ولا حوافز مما يجعل الأمر في نظر الكثيرات قليل الجدوى، إضافة إلى عدم وجود مكاتب صحفية نسائية، على الرغم من أن غالبية المناطق تزخر بالمواهب القادرة على التعاطي مع العمل الصحفي المميز" .
التطبيق الميداني
وتراهن الصحفية مرام العصيمي على نجاح التنسيق المسبق الذي تنادي به مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات الإعلامية لتجهيز بنية تحتية لعمل الإعلاميات السعوديات، وتمكنهن من معايشة الواقع الإعلامي قبل الانخراط الفعلي فيه، مؤكدة أن خريجات الإعلام السعوديات لا ينقصهن سوى التطبيق الميداني والخبرة لإثبات جدارتهن، مطالبة بسعودة الكوادر الإعلامية لحث المزيد من السعوديات على دخول هذا المجال وتقديم الصورة المشرفة للإعلام السعودي الذي يبنى على النزاهة والشفافية.
أزمة تنميط
التحديات التي تواجه الإعلاميات السعوديات من وجهة نظر عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام في جامعة أم القرى والمستشار في قضايا التطوير الذاتي الدكتور أسامة حريري تتمثل في "المضايقات "، ويرى أنها لا تقتصر على الفتاة العاملة في الحقل الإعلامي بل تشمل كافة القطاعات الأخرى.
ويضيف حريري "الأمر يزداد صعوبة بالنسبة للفتاة العاملة في الحقل الإعلامي، والسبب هو مفهوم كلمة "الإعلام" عند البعض، ومن ذلك مثلا ارتباطه الخاطئ بالفن وسلبياته، فكأن الفتاة الإعلامية سوف تغرق في الفن الهابط، لذلك يتم رفض عمل المرأة في المجال الإعلامي حماية لها، وينسى بعض أفراد المجتمع أن الإعلام لا يقتصر على تلك النماذج السلبية" ، داعيا إلى طرح نماذج إيجابية لنساء إعلاميات مثقفات لتقديم النماذج الإيجابية التي تغير الصورة الذهنية لدى المجتمع عن الفتاة الإعلامية.
صوت بلا صدى
الصوت المرتفع لشكاوى الإعلاميات لا يقابله صدى واضح في الأنظمة والمؤسسات، إذ لا تجد الإعلامية قوانين تحميها، كما لا تجد مرجعية تحتوي همومها وتدافع عن قضاياها وسط مطالب بالتغيير والتطوير بما يواكب التقدم الإعلامي الذي تشهده المملكة من جهة، ويعزز دور الإعلاميات ويكفل حقوقهن من جهة أخرى.
ويعلق المحامي والمستشار القانوني أحمد جمعان المالكي على ذلك بالقول "إن نظام المطبوعات والنشر في المملكة لا يحدد أية حقوق أو واجبات صريحة للإعلامي أو الإعلامية، كما أنه لا ينظم مهنة الصحافة أو الإعلام للممارسين لهذه المهنة، بقدر ما ينظم التنظيم المؤسسي لها".
واعتبر المالكي ذلك من العيوب الجوهرية في نظام المطبوعات والنشر، ويفترض أن يتطرق النظام لتعريف الصحفي أو المراسل المحلي أو المحرر أو الناقد أو الكاتب وغيرها من المسميات، في حين يرى أن مهنة الإعلام والصحافة "فارغة تشريعيا" ، ولا بد لها من تنظيم ببيان شروط التراخيص للعاملين فيها وحقوقهم التي يستمدون منها الحماية الضرورية لأداء مهنتهم، وكذلك واجباتهم التي يلتزمون بعدم مخالفتها.
وأوضح المالكي أن إصدار مثل هذا النظام يقع على وزارة الثقافة الإعلام بالدرجة الأولى، وكذلك مجلس الشورى، حيث من شأنهما اقتراح سن هذا النظام ورفعه لمجلس الوزراء لدراسته وفق الطرق النظامية، مستدركا "أما بقاء الوضع على ما هو عليه، فسيترك مهنة الصحافة والإعلام مجرد مسمى فقط، خالية من أية تنظيمات تساعد العاملين فيها على أداء عملهم الإعلامي على أكمل وجه".
الجهة المنصفة
على الجانب الآخر، كانت الإجابة بـ"لا" هي الحاضرة دوماً عند توجيه السؤال التالي إلى نحو 12 إعلامية.. "هل رفعت شكواكِ إلى أي جهة تعتقدين أنها ستنصفك"؟
الإجابة النافية، بحسب الصحفية تهاني خوج جاءت بسبب أنه لا توجد جهة تلجأ لها الإعلاميات، إلى جانب غياب التنسيق بينهن، مما يعقد المهمة ويحد من فكرة إنشاء هيئة أو جمعية أو نقابة تعنى بالإعلاميات.
في غياب الهيئات التي تدعو لها تهاني، وانعدام الأنظمة التي تحميهن، لا يتبقى لدى الإعلاميات من ملجأ، سوى وزارة الثقافة والإعلام، وهيئة الصحفيين.
وعلى ذلك، تعود ولاء حواري للتعليق، قائلة "إن حماية الإعلاميات بالدرجة الأولى مسؤولية وزارة الإعلام فالإعلامية - أينما كانت تعمل - هي واجهة البلد، ويجب أن تنضوي تحت مظلة الوزارة، خاصة أنه لا يوجد لدينا نقابات ولا هيئات خاصة تُمثل الإعلاميين من الجنسين وتقف إلى جانبهم".
وتضيف حواري: بالنسبة لهيئة الصحفيين، ربما العذر الذي يحتسب لها أنها ما زالت في طور التهيئة، كما أن أحد شروط تدخلها في قضايا الإعلاميين أن يكونوا من المنضمين لها، حتى تتمكن من الحديث بلسانهم، في حين أن لدى هيئة الصحفيين مقترحا بشأن تكوين لجنة مختصة بالشكاوى تتشكل من أعضاء محايدين، بحيث تتولى دراسة الشكوى وتقييمها، على أن يكون هناك خط مباشر للإعلاميين للاتصال وعرض المشكلة.