في 13 ديسمبر، عزف النشيد الوطني الفلسطيني في باريس فيما قوبل خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتصفيق الحار من الضيوف المدعوين في مقر منظمة اليونسكو. خارج المبنى، كان العلم الفلسطيني يرفرف لأول مرة فوق مبنى تابع للأمم المتحدة. كانت تلك، كما قال الرئيس عباس، "لحظة تاريخية". رفع علم فلسطين، وتصويت اليونسكو الذي قبل فلسطين كعضو في تلك المنظمة المحترمة لم يكن مجرد أمر رمزي – أهمية الأمر تنبع من أن الاحتلال والاضطهاد والظلم الإسرائيلي لم يستطع أن يقمع الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني – ستكون لهم دولة، والعالم يتحرك باتجاه دعمهم بعضوية اليونسكو، هناك 22 منظمة أخرى تابعة للأمم المتحدة تستطيع فلسطين أن تنضم إليها الآن كدولة عضو.

الرئيس عباس قال "إنها لحظةً تاريخيةً مفعمة بالمشاعر بالنسبة لي ولشعبي أن يرتفع علم فلسطين في ساحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ليرفرف في سماء هذه المدينة الصديقة والجميلة إلى جانب أعلام بقية دول العالم. وأن تكون بشارة وفاتحة انضمام دولة فلسطين إلى المنظمات الدولية انضمامها إلى عضوية هذه المنظمة العريقة." كان ذلك بعد حوالي شهرين ونصف من إلقاء الرئيس كلمته التاريخية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث وقف الحضور تحية له عندما دعا إلى قبول فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة. التصويت في اليونسكو بقبول فلسطين مؤشر للتأييد الكبير في العالم للحقوق الفلسطينية والسيادة الفلسطينية.

تأسست اليونسكو عام 1953 وقدمت خدمات تعليمية لأجيال من الأطفال في 160 بلدا، بالتوازي مع صندوق الأمم المتحدة لتعليم الأطفال (يونيسيف)، لكن هناك جانبا قاتما رمزيا لهذا الحدث: لم تكن الولايات المتحدة موجودة في الاحتفالية في باريس، لأن الرئيس باراك أوباما قام بشكل أحادي بقطع التمويل عن اليونسكو كعقوبة لأعضائها، لأنهم صوتوا على قبول فلسطين. الولايات المتحدة تقدم 22% من تمويل اليونسكو، وحيث إنها لم تدفع حصتها لعام 2011، عرضت الولايات المتحدة عمل اليونسكو للخطر. وبهذا، تمت مواجهة منظمة معروفة بعملها كصانع للسلام بتهديد بالتدمير المالي. في الوقت الذي تقدمت فيه دول فقيرة بمزيد من التمويل لليونسكو –حيث أعطت الجابون مثلا مليون دولار، وإندونيسيا 10 ملايين دولار- تستمر الولايات المتحدة في الإذعان لابتزاز بنيامين نتنياهو.

هناك الكثير من القلق داخل إسرائيل حول نجاح محمود عباس في الأمم المتحدة واليونسكو، رغم خيانة الولايات المتحدة للعدل مع الفلسطينيين. يستطيع اللوبي اليميني الإسرائيلي أن يجبر السياسيين الأميركيين على قطع تمويل اليونسكو – لكنه لا يستطيع أن يهرب من حقيقة أن غالبية الدول تعارض تصلب إسرائيل في استمرارها باحتلال الأراضي الفلسطينية، وتطبيق قانون تمييز عنصري داخل إسرائيل، والقتل العشوائي للمدنيين الفلسطينيين خلال الهجمات العسكرية الشبيهة بالهجوم على غزة في 2009. وفيما يقول المشرفون على الدعاية الإسرائيلية والمراقبون السياسيون الأميركيون إن عزلة إسرائيل المتصاعدة ليست مهمة، لأن الشيء الوحيد المهم هو الدعم الأميركي، إلا أن هذا الكلام لا يعدو كونه تبجحا بدأ يفقد مصداقيته. هناك "نفاد صبر استراتيجي" متزايد بسبب رفض إسرائيل التخلي عن المستعمرات اليهودية ووضع حد لاحتلال الأراضي الفلسطينية، وكذلك محاولة نتنياهو جر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط مع إيران. حتى في هذه السنة الانتخابية، هناك إحساس متزايد بأن إسرائيل أصبحت تتحول إلى عبء على الولايات المتحدة. وأحد المؤشرات المشؤومة لهذا الرفض المتزايد لوضع إسرائيل في أميركا طفا على السطح في 2 ديسمبر، خلال الاجتماع السنوي لمعهد بروكينجز حول الشرق الأوسط، ردا على سؤال حول الخطوة التالية في إطار محاولة الوصول إلى سلام فلسطيني-إسرائيلي، قال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا إن على إسرائيل أن "تعود إلى الطاولة الملعونة." لم تكن الحكومة الإسرائيلية مسرورة من هذا التصريح. إسرائيل تدفع من أجل ممارسة ضغوط أميركية إضافية على الفلسطينيين.

لكن قرار أوباما تجميد تمويل اليونسكو انتهاك للمبادئ الأميركية. هناك أميركا مختلفة يجب فهمها، وهي أميركا التي تريد أن يتحقق العدل للشعب الفلسطيني، وكان مناسبا أن تكون اليونسكو أول منظمة اعترفت بفلسطين كدولة. ذلك الالتزام الأميركي بالتنمية الاقتصادية والسيادة الوطنية واليونسكو نفسها يمكن رؤيته في طوكيو في الأول من أبريل 1961 – وهي نفس اليونسكو التي تخلت عنها الولايات المتحدة الآن. في ذلك الوقت، قال الرئيس الأميركي جون كندي في رسالته إلى اجتماع وزراء التعليم لأعضاء اليونسكو الآسيويين المنعقد في طوكيو "في هذه المرحلة التاريخية، عندما تتطلب تعقيدات الحياة الوطنية والدولية أن نتشاور ونعمل معا بشكل أكبر من الماضي، أرى أن هناك اجتماعات قليلة قد تكون هامة لمستقبلنا جميعا مثل الاجتماعات التي تتناول تخطيط التعليم، كهذا الاجتماع. إن التعليم هو الوسيلة الرئيسية المتوفرة للمجتمع لتحرير أفراده من الجوع والجهل وجميع أشكال الاستبداد؛ ولإعطاء كل فرد الفرصة لتطوير نفسه كفرد حر في مجتمع حر. كما سبق أن قلت لاجتماع أكاديمي مؤخرا في كاليفورنيا، المعرفة، وليس الكراهية، هي مفتاح المستقبل – المعرفة تتجاوز الخصومات الوطنية – تتحدث لغة عالمية - وهي ليست ملكا لطبقة معينة أو بلد معينا أو أيديولوجية معينة، بل للإنسانية جمعاء."

في 13 ديسمبر، في احتفالية فلسطين، قالت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو آيرينا بوكوفا إن "الحل الذي يضمن قيام دولتين تعيشان بسلام وأمن طال انتظاره. أريد أن أعتقد أن هذا القبول في اليونسكو هو فرصة لإظهار أن السلام أيضا مبني من خلال التعليم والثقافة." بوكوفا جاءت الآن لتتحدث إلى الكونجرس، والإعلام، والجمعية اليهودية الأميركية، من أجل طلب الدعم لليونسكو. سيكون من الحكمة أن تستذكر كلمات الرئيس جون كندي المؤثرة التي أرسلها لليونسكو عام 1961 عندما تلتقي مع السياسيين وصناع القرار في واشنطن، خاصة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع بانيتا، وكلاهما من أقوى مؤيدي الرئيس جون كندي. لسوء الحظ، كندي وبانيتا ليسا على قائمة اجتماعات بوكوفا، لكنهما يستطيعان أن يلعبا دورا هاما في المستقبل القريب. كل ما يتطلبه الأمر هو حب الحرية والإصرار – مثل ذلك الذي يظهره الشعب الفلسطيني.