شنت الفنانة السورية رغدة هجوما كاسحا على زميلتها أصالة، لأن الأخيرة وقفت ضد النظام السوري الحالي ودافعت عن ثوار سورية، واتهمتها أيضاً بخيانة وطنها عندما هاجمت نظام عائلة الأسد الذي قتل وشرد وسجن مئات الآلاف من الشعب السوري فقط، ليستمر في السلطة ولينعم بخيرات البلاد على حساب عامة الشعب الفقير.

والملفت في مقولة رغدة نعتها لأصالة بأنها ناكرة للجميل وذكّرتها بأفضال النظام السوري عليها، حيث دفع تكاليف علاج أصالة من مرض شلل الأطفال الذي ألم بها في طفولتها وأنه لولا هذا المال لما أصبحت أصالة مغنية شهيرة وكأن العلاج كان لحنجرتها وليس لرجليها.

حقيقة، لم يفاجئني حديث رغدة، فقد سقط قبلها دريد لحام صاحب المسرحيات الثورية التي شكلت ذاكرة جيلي، لكن جزى الله الثورات العربية كل خير، فقد كشفت عن هشاشة البنية الفكرية للكثير من الفنانين العرب، فنحن لا نكاد نحصي سقطاتهم الفنية حتى كشف لنا الربيع العربي سقطاتهم الفكرية. فالفن صانع الفكر والفلسفة في الغرب لا يصنع لدينا سوى فقاعات لا قيمة لها، تتحدث خلاف ما تفعل وتنهار مع أول اختبار للمبادئ.

وما لفت نظري في حديث رغدة، هو عدم إدراكها أن علاج مثل حالة أصالة حق لها وليس فضلا. فأي دولة، الهدف الأساسي من وجود مسؤوليها هو خدمة بقية أفراد الشعب، فما يحدث في أغلب الأنظمة العربية التي تتمظهر بالديموقراطية، ومنها سورية، هو أن أموال الشعب السوري كلها تبتلعها بطون عائلة الأسد ومن يواليهم، بينما الشعب السوري في بلده لا يجد لقمة العيش ولا أيا من الخدمات الأساسية، فما بالك بالترفيه وهو أيضا من حقوقهم، فتناثر أبناء سورية في كل بقاع الدنيا من أجل لقمة العيش.

وحقيقة فكرة "فضل الدولة على المواطن"، بوصفها مفهوما اجتماعيا، كانت موجودة بالفعل، وما زالت، مما أوجد المواطن المستجدي الذي يتوقع أن تأتيه العطايا من مكان ما. فبينما كل الأموال على وجه الأرض تأتي إما موروثة أو نتيجة القيام بنشاط معين للكسب، لكن المواطن العربي المستجدي لا يرى بأسا في أن يُعطى أموالا دون أي سبب فقط لمجرد أنه مواطن.

وبرأيي ـ أو أني أتمنى ـ أن تكون هذه الطريقة في التفكير في طريقها للزوال، حيث أظهرت أحداث الربيع العربي ملامح إنسان لديه ثقافة الحقوق والمحاسبة، فالدولة ليست هي الأب أو الأم كما يتمنى المواطن العربي. ولا يجب أن تكون زوجة الأب الشريرة كما هو الواقع العربي في هذه البلدان. والمواطن ليس من حقه أن يُعطى أموالا، ولكن من حقه ان تؤمن له قطاعات خدمية فعالة، وأن يُعطى تعليما راقيا يمكنه من دخول سوق العمل بفخر، وتؤمن له سوق عمل غنية بالفرص الوظيفية، وأن يتم توفير المساكن والسلع بأسعار في متناول يده. إنسان يحاسب المسؤول على إنتاجه ويتحمل المسؤولية نحو نفسه ورفاهيته.