بعد نشر مقالتي الأسبوع الماضي وصلتني العديد من الرسائل والتعليقات عن موضوع البطالة في المملكة، ورغم أهمية هذه التعليقات إلا أنني اخترت أحد أهمها وهو في الحقيقة الذي دفعني للكتابة اليوم في هذا الموضوع، وهو موضوع بطالة الأطباء حديثي التخرج، حيث حادثني مجموعة من الأطباء حديثي التخرج والمبتعثين على حساب الدولة والمنضمين لبعثة الملك عبدالله خارج المملكة سواء في دول عربية أو أوروبية أو آسيوية والذين بذلوا جهداً مضاعفاً ولسنوات طويلة للحصول على بكالوريوس الطب ثم عادوا للتدريب والحصول على برنامج الامتياز الخاص بالأطباء في أحد المستشفيات الحكومية حيث إن بعض الجامعات العربية لا تلتزم بتدريبهم في نفس دولة التخرج ويتوجهون للمملكة لإكمال برنامج الامتياز، فرحين معتزين بشرف خدمة الوطن إلا أنهم يفاجؤون بالبيروقراطية الحكومية قبل تعيينهم ابتداء من معادلة شهاداتهم من الجامعات المبتعثين إليها خارج المملكة (رغم أنهم تحت إشراف ومتابعة الملحق الثقافي) ورغم أن البعثة لا تعطى إلا لجامعات معترف بها أو موصي التعامل معها وتمتد فترة معادلة الشهادة إلى حوالي ستة أشهر في بعض الأحيان ثم بعد المعادلة يتوجه الخريجون إلى بعض كليات الطب في الجامعات السعودية حسب التخصص لدخول اختبارات التقييم ثم التوجيه لأحد المستشفيات الحكومية لتكملة برنامج الامتياز وهنا يطول الانتظار أحياناً إلى حوالي ستة أشهر حتى يتم التوجيه وبعد إنهاء فترة الامتياز التي تكفلت الدولة مشكورة بتحمل مكافآت طلاب الامتياز تبدأ بعدها مرحلة البحث عن وظيفة طبيب في أحد المستشفيات أو المراكز الصحية أو العمل لدى أحد المستشفيات الحكومية وعندها تبدأ المعاناة الحقيقية والمفاجآت والإحباط حيث يواجه الطبيب حديث التخرج بعدم وجود وظائف في المستشفيات الحكومية وعدم وجود حاجة لهم حيث إن الوظائف مشغولة بأطباء أجانب من أصحاب الخبرة وينتقل البحث في المستشفيات الخاصة وتتكرر المأساة حيث إن المستشفيات الخاصة تطلب أطباء من ذوي الخبرة، وتبدأ رحلة المعاناة للطبيب السعودي في البحث عن وظيفة طبيب وتبدأ الاتصالات والواسطات وينال بعض من أصحاب الوساطات الأولوية في التعيين، وقد يكون من غير الأكفاء ويضيع الأطباء الذين لا واسطة لهم رغم أنهم من المتمزين.

هذه قضية حقيقية ومعاناة واقعية وكارثة على أبناء الوطن المتعلمين والمثقفين وعلى وجه الخصوص الأطباء السعوديون الحديثو التخرج والذين حُرموا في وقت سابق من مكافأة الامتياز وخفضت إلى الحد الأدنى وبدعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أعيدت دعماً وتشجيعاً للأطباء السعوديين حديثي التخرج.

إن هذه القضية أثيرت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه، ووجه رحمه الله وزارة الصحة بقبول تعيين أي طبيب حديث التخرج حتى لو لم تكن هناك وظائف يعين على بند خاص حتى يتم استحداث وظيفه له أو تسكينه على أحد وظائف المتعاقدين، وأعتقد أن هذا التوجيه استمر لفترة محدودة ثم توقف وما يثبت أنه توقف هو معاناة الأطباء السعوديين حديثي التخرج في الحصول على وظيفة، ومن منطلق الحرص على أبنائنا الأطباء السعوديين حديثي التخرج وإكسابهم الخبرة التي يفتقرون إليها ولن يحصلوا عليها إلا إذا أتيحت لهم الفرصة للعمل. وأطرح بعض الحلول التي أتمنى أن تحظى باهتمام أصحاب القرار لحل هذه القضية، والحل الأول هو إعادة تطبيق توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله بتعيين الأطباء السعوديين حديثي التخرج حال تقدمهم لطلب الوظيفة في أي مستشفي سعودي في أي منطقة من مناطق المملكة وعلى وزارة الصحة ووزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية وضع برنامج عمل لتطبيق هذه التوجيهات ولا داعي للتحجج من وزارة الصحة بعدم استحداث وظائف من وزارة الخدمة المدنية والتي بدورها تعتذر لعدم رصد وزارة المالية ميزانية لاستحداث وظائف للأطباء وعندها يضيع الأطباء بين وزارة الصحة ووزارة الخدمة المدنية وفي النهاية الجميع يحيل المسؤولية إلى وزارة المالية. أما الاقتراح الثاني وهو لماذا لا يتبنى صندوق الموارد البشرية تحمل رواتب الأطباء حديثي التخرج لمدة عام آخر بعد عام الامتياز في المستشفيات الخاصة شريطة أن يرفع صندوق تنمية الموارد البشرية الحد الأدنى لمساهمته في نصف راتب الطبيب حديث التخرج إلى 5 آلاف ريال، وتتحمل مستشفيات القطاع الخاص النصف الآخر . شريطة أن تتاح الفرصة للطبيب السعودي حديث التخرج للتدريب بجانب الطبيب الأجنبي لمدة عام ثم يتم تعيين الطبيب السعودي بعد تقييمه والاستغناء عن بعض الأطباء الأجانب تدريجياً أو تحويلهم إلى الوظائف الشاغرة في المناطق النائية.

إن متطلبات التعيين للأطباء السعوديين المشروطة بالخبرة المتعددة السنوات للأطباء السعوديين حديثي التخرج هي متطلبات تعجيزية تستهدف عدم تشغيلهم.

هذه بعض الاقتراحات للحلول لهذه القضية رغم أنني أرى أن الدولة هي المسؤولة الأولى في تعيين الطبيب السعودي حديث التخرج حال انتهاء فترة الامتياز.

إن تأخر تعيين الأطباء السعوديين حديثي التخرج له آثار سلبية على علم ومعرفة ومهارة الأطباء حديثي التخرج، وإذا كانت البطالة وصلت إلى الأطباء السعوديين فهي مؤشر سلبي يحتاج إلى قرار عاجل لتبني الدولة هؤلاء الأطباء وأخشى لو أهملت هذه القضية أن يتجه هؤلاء الأطباء للعمل في بعض من دول الخليج الأخرى وهو أمر يحتاج إلى إعادة نظر، لأننا نحن في أمس الحاجة لأبنائنا الأطباء في ظل الطلب على الأطباء بصفة عامة إلى سنوات طويلة حيث هناك أكثر من عشرات الآلاف من الأطباء الأجانب في المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية السعودية.