لم يدع قادة دول مجلس التعاون الخليجي عام 2011 -العام الاستثنائي بالنسبة للمنطقة العربية وشعوبها- يمر دون أن يكون لهم دور وفعل استثنائي عبره. ذلك أن ما تمخض عن قمة مجلس دول التعاون الخليجي الثانية والثلاثين من قرارات كان بالفعل استثنائياً، مقارنة بالاجتماعات السابقة، ليس فقط لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، التي تقدم بها في الجلسة الافتتاحية من خلال خطابه الذي دعا فيه قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر، وليس فقط لتكوين آليات وتحديد جداول زمنية لإنجاز القرارات والتوصيات التي صدرت عن القمة، كتوجيه القادة بتشكيل هيئة متخصصة يتم اختيارها من قبل الدول الأعضاء بواقع 3 أعضاء لكل دولة، يوكل إليها دراسة مقترح "الاتحاد الخليجي" من كل جوانبه في ضوء الآراء التي تم تبادلها بين القادة، على أن ترفع تقريرها الأول في شهر مارس 2012، وإنما أيضاً للروح واللغة التي كتب بها البيان الختامي، وكذلك إعلان الرياض، إذ تضمن كلمات وتوجيهات واضحة للجهات المعنية بضرورة تسريع وتيرة التعاون المشترك، ومسيرة التطوير والإصلاح لتحقيق تطلعات شعوب المنطقة، وتوسيع المشاركة الفعالة لكافة مواطني دول المجلس لفتح آفاق أرحب لمستقبل مزدهر، عبر الحفاظ على استقرار دول المجلس وأمن شعوبه وحماية مكتسباته، من خلال ترسيخ مفهوم الهوية والمساواة في حقوق المواطنة بين الجميع، والتصدي لكل محاولات تصدير الأزمات الداخلية وإثارة الانقسامات والفتن المذهبية والطائفية، فبجانب أن ذلك يعتبر دعوة مباشرة لمواطني دول مجلس التعاون للمساهمة والمشاركة الفاعلة في تحقيق نهضة واستقرار دول المجلس، فهو اتجاه واضح ومباشر نحو الاهتمام بالقضايا الداخلية التي تهم حياة المواطن الخليجي وتطوره ورفاهيته وعيشه الكريم.

كانت قمة الرياض "استثنائية" لأنها قمة الإجابات عن العديد من الأسئلة التي كان يطرحها الشارع الخليجي عن مسيرة بعض المشاريع المقرة في قمم سابقة، مثل اعتماد الهوية الشخصية كإثبات هوية لمواطني دول المجلس في القطاعين العام والخاص في جميع الدول الأعضاء، والتعرفة الجمركية الموحدة لدول المجلس، وكذلك السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد النقدي، ومشروع سكة حديد دول المجلس، فضلاً عن طرح مشاريع وأفكار جديدة تعزز العمل الخليجي المشترك مثل إستراتيجية التوظيف لدول المجلس في القطاعين الحكومي والأهلي، وإنشاء هيئة خليجية موحدة للطيران المدني لدول المجلس، والأهم من هذا وذاك توحيد مواقف دول المجلس ورؤيتها تجاه الأخطار والتهديدات التي تواجه منطقة الخليج، والتأكيد على أهمية تطوير وتأهيل قوات درع الجزيرة.

طرح البيان الختامي الكثير من المشاريع الطموحة والأفكار الخلاقة، كما اهتم – وهذا هو الأهم- بصياغة الآليات وتحديد سقف زمني للمشاريع، ما يؤكد عزم وإصرار قادة دول مجلس التعاون على المضي قدماً نحو العمل الخليجي المشترك والموحد في أسرع وقت.

أعتقد من الناحية النظرية الانطباعية أنه لا يوجد حالياً كيان أكثر استعداداً للاتحاد من كيان مجلس دول التعاون الخليجي، فبجانب الدين الواحد والمصير المشترك الواحد، واللغة الواحدة، هنالك الإمكانات الاقتصادية القادرة على إنجاح الاتحاد، وجعله –فوق ما هو عليه من مكانة- قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة على المستوى الإقليمي والعالمي، وهو ما تحتاجه منطقة الشرق الأوسط حالياً في سبيل تحقيق الاستقرار وتوازن القوى، ومواجهة تحديات القوة والسيطرة التي تطلقها من حين لآخر بعض دول المنطقة بشكل يبعث القلق، وينقض الاطمئنان الذي يشكل عصب الازدهار والنماء.