"بيروت" حلوة الحلوين تلملم أطراف ردائها الفواح بالحياة، العالق في أحلام الزيت والكبريت ومجانين الدار وأشقياء الجار. حلّ الشتاء فهي تصطلي على حكايات الجمال الأول، وتوقد مدافئها الرفيعة، معرض الكتاب، حفلات فيروز، وفي السماء شمس تطمئن عليها كلما لفها غيم السماء وغيوم السياسة.

"ليليان" الصبية البيروتية تقول إنها زارت المملكة وإنها رأت رجال الهيئة الذين سمعت عنهم لكنها اطمأنت لهم، حين حياها أحدهم مبتسما مع أن شعرها كان مكشوفا، شاركتنا "ليليان" قهوة الصباح على بلكونة "الروشة" تتحدث دون قيد حتى ليدرك سامعها أن كلمة واحدة لم تنحبس في صدرها، وترنّ ضحكتها كاملة لا تكتم منها شيئا، لقد بدأت يوما جديدا له كلماته وضحكاته غير منقوصة. أتذكر كيف نخفي أرباع وأنصاف الأحاديث والضحكات فننام وصدورنا متورمة، ليلة بعد ليلة.

معرض بيروت ليس في حجم ولا في كثافة معرض الرياض، لكنه معرض بيروت، بيروت ورّاقة العالم العربي حتى حين يكون صوت الرصاص مختلطا بصوت الطابعات.

قل إننا حضرنا حفلة فيروز، لا لنسمع الغناء، وإنما لنشهد القيم التي تمثلها الست فيروز واستقرت في وجداننا مقترنة بها. الفن الرفيع، التاريخ، الصمود، البراءة، الأدب، لبنان الذي أحببنا بكل رموزه، الجمهور الذي يبقى واقفا على قدميه في آخر أغنيتين.

لم يكن للحفل أي إعلان في وسائل الإعلام ولا في الشوارع، ومع ذلك فالمكان ممتلئ من كل صوب. إنها فيروز.

عند دخولنا الصالة صافحني أخي إبراهيم مهنئا على حضورنا الحفل، لم أهتم كثيرا، لكني حين أقلعت الطائرة من مطار رفيق الحريري، ومنحتنا إطلالة أخيرة على بيروت في الليل، مددت يدي لأصافح زوجتي وأذكرها أننا كنا في بيروت.

بيروت الحلوة الأنيقة التي لا ترحمنا من القلق عليها.