قرر الرئيس المصري السابق حسني مبارك أن يتنحى عن الحكم بعد أن أصبح واضحاً أن الثورة ستنتصر. هذا التنحي يرجع لأسباب عديدة أهمها أنه استخدم كل الوسائل المتوافرة لمقاومة موجة الثورة العاتية، لكنها لم تفلح. يلاحظ متتبع ردة فعل النظام على الثورة في مصر أن كل ما اتخذه من مواقف وكل الخطابات الموجهة للجمهور كانت مبرمجة بشكل يوحي بأنها مبنية على خطة طوارئ معدة سلفاً.

استخدمت قوات الأمن إجراءات منضبطة عندما تجمهر الناس في ميدان التحرير. كانت هناك تجاوزات عديدة لكنها لم تكن جزءا من الخطة، بل كانت تجاوزات شخصية من ضباط وأفراد دفعتهم الحماسة والاحتكاك بالجمهور لارتكابها. مر التعامل مع الأزمة بمراحل أهمها:

- استخدام قوات الأمن في التعامل مع المظاهرات وهذا تسبب في صدامات لم تخل من إصابات, لكن القرار باستخدام القوة لم يكن صادراً من القيادة العليا وهذا دليل على أن القتلى كانوا ضحايا اجتهادات شخصية.

- خلال أربعة أيام اتخذ الرئيس قراراً بإقالة الحكومة على أمل أن يهدئ هذا من غليان الشارع، لكن الثورة استمرت.

- عين الرئيس السيد عمرو سليمان الذي يتمتع بمصداقية عالية نائباً له لامتصاص غضب المتظاهرين.

- كلف الرئيس أحمد شفيق بتشكيل الحكومة الجديدة.

- عندما بلغت الأمور ذروتها، أعلنت القوات المسلحة أنها ستنشر قواتها لحماية المواطنين. انسحبت قوات الأمن من الشوارع، ثم عادت بعد أن اكتشف الجميع أن غيابها لم يعد الناس لمنازلهم.

- وجود القوات المسلحة وإظهار العناية بأمن المواطنين لم يحققا الهدف، واستمرت المظاهرات.

- بدأت التنازلات المهمة بتكليف رئيس الحكومة بمناقشة المعارضة والتعرف على مطالبها، ثم كلف الرئيس نائبه ببدء حوار شامل لحل جميع المشاكل التي تطالب المعارضة بحلها.

- في مسعى أخير أعلن الرئيس أنه لن يترشح لفترة رئاسية تالية وإنما سيعمل على نقل سلس للسلطة خلال الفترة المتبقية له من الفترة الحالية.

- لمح الرئيس إلى أنه سيتنحى، عندما قال "أريد أن أتخلى عن السلطة ولكنني لا أريد أن تغرق البلاد في الفوضى"، فهللت الجماهير. ثم أعلن أنه سيكلف نائبه بتولي جميع مهام الرئيس. في النهاية، أعلن نائب الرئيس السيد عمرو سليمان أن الرئيس قرر التنحي عن الرئاسة وكلف المجلس العسكري الأعلى بإدارة شؤون البلاد.

السيناريو السابق يوضح كيف أن عملية إدارة الأزمة تمت بطريقة مدروسة، فالتصعيد استمر إلى أن اتضح أنه لن يفيد، ثم بدأ العمل على مخرج مشرف للرئيس من الأزمة، بمجموعة من التنازلات التي أدت في النهاية لتنحي الرئيس. لم تتجاوز مدة الأزمة ثمانية عشر يوماً.

عندما نقارن الحالة المصرية بنظيرتها في ليبيا، نلاحظ أنه لم تكن هناك إدارة للأزمة وإنما تهديد والوعيد. تصعيد استمر برغم محاولات دول كثيرة التوسط. استخدم النظام أساليب عفا عليها الدهر كدعم شخصية القذافي وتخوين كل من يقف ضده. استعان الفريقان بالخارج سواء المرتزقة أوقوات الناتو. استمر التهديد ومعه استخدام أشد الأسلحة فتكاً، مما أدى إلى تكوين قناعة أن النظام لن يسقط إلا بالقوة. انشق الكثير من السفراء والوزراء وكونوا نواة دولة جديدة كان يفترض معها أن يحاول النظام التنازل ويخرج بخسائر أقل، إلا أنه دخل في معركة كسر عظم سببها الأنانية والمبالغة في النرجسية, وعدم التعامل مع الواقع كما هو. قتل القذافي أكثر من ستين ألفاً من المواطنين الليبيين قبل أن يقع في الفخ.

الحكمة هي ضالة المؤمن. وهي ما يحتاجه الرئيس بشار الأسد اليوم. عندما ينظر بشار لمستقبله فهو أمام واحد من مصيرين، إن انتصر جيشه على الشعب، وهو احتمال ضعيف لا يتجاوز الخمسة بالمائة فإنه سيحكم شعباً يكرهه، ويتمنى موته. بل وسيكون عليه أن يحذر في كل خطوة يخطوها. ويعيش حياة قلقة، يحاصره فيها الخوف بين أربعة جدران وتحاصره كوابيس ما فعل بأطفال ونساء سوريا.

أما إن حقق الشعب مراده وانتصر وهذا الاحتمال الأرجح، خصوصاً مع تعاظم الانشقاقات في الجيش، ودخول المزيد من المدن والمحافظات ضمن ركب الثورة، وزيادة عدد الدول التي تساند الثورة وتقف مع الشعب. فهل يتمنى لنفسه نهاية القذافي؟

يقول العقل للرئيس بشار الأسد: سيتركك الحلفاء بعد أن تنتهي مصالحهم معك. بل وسترى الكثير ممن يهللون لك اليوم يشتمونك في الغد. الذين يقفون معك اليوم لا يهمهم دم الشعب السوري، تهمهم مصالحهم وبقاؤهم فقط.

اخرج من نرجسيتك وأنانيتك ونظرتك الشخصية وقم بالتضحية الكبرى لإيقاف نزف الدم السوري. الشعب سيقول كلمته في النهاية، والتاريخ لا يرحم يا فخامة الرئيس.