ثلاثة عقود من الزمن، أجلت فيها شركة أرامكو السعودية الاستفادة من حقل شيبة النفطي، ليتحقق بعدها إنجاز أشبه بالمستحيل، تمكنت فيه "أرامكو" من التغلب على كثبان الرمال عبر تقنيات "الحفر الأفقي" والوصول للهدف الأول وهو "استثمار" الحقل، الذي سجـّـل حضوره على خارطة الإنتاج العالمي بأكثر من 750 ألف برميل من الزيت يوميا.
وإلى عام 1968، يرجع اكتشاف شركة أرامكو السعودية لحقل "شيبة" للزيت العربي الخفيف عالي الجودة، والذي يبعد عن مدينة الدمام حوالي 980 كيلومتراً، ويقع في الجزء الشرقي من صحارى الربع الخالي الذي يمتد على مساحة 250 ميلا مربعا من الكثبان المتحركة التي تصل بين أجزائها قطع من "السبخات" التي تكوّنت بسبب حرارة الشمس التي تتجاوز درجتها الـ55 صيفا، في أرض قاحلة تعصف بها الرياح، وتصنـّـف من كبريات صحارى العالم.
ولضعف تقنيات التنقيب آنذاك لم تتمكن "أرامكو" من استغلال واستثمار الحقل، الذي يقدر طوله بـ130 كيلو متراً، وعرضه بنحو 13 كيلو متراً، ويقدر فيه احتياطي الزيت بـ 190 مليون برميل، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، حيث لم تكن تقنيات التنقيب في ذلك الوقت قادرة على قهر "جبال" الكثبان الرملية عن طريق الحفر الرأسي.
استثمار الحقل
كانت أولى مراحل استثمار الحقل، بالتخطيط لإنشاء معامل لفصل الزيت عن الغاز في أكثر من 130 بئراً أفقية، وبدأ الحفر في عام 1996، ومسح الطريق الذي سيربط شيبة بمدينة البطحاء الحدودية مع الإمارات العربية المتحدة باعتبارها أقرب مدينة مأهولة بالسكان تبعد عن الحقل نحو 500 كيلو متر، ومن ثم بدأ العمل الأساسي بإنجاز معامل فرز الغاز عن الزيت في زمن قياسي، وبالتزامن مع ربط الحقل بمعامل التكرير في محافظة بقيق بخط أنابيب يبلغ طوله 640 كيلو متراً وسعته 46 بوصة.
وفي عام 1998 اكتمل بناء مطار شيبة، تلاه في عام 1999 افتتاح مشروع حقل شيبة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، وبدأت عمليات الإنتاج للزيت من الحقل قبل التاريخ المقرر، حيث أنجز المشروع في وقت قياسي لا يتجاوز 4 سنوات تحولت خلالها "السبخة" إلى بيئة تملؤها الحياة وصخب العمل المنتج بأيدٍ سعودية طموحة.
وفي شهر يوليو 2009، بدأت "أرامكو" بتشغيل معمل جديد لفرز الغاز من الزيت في الحقل، بطاقة إنتاجية يومية مقدارها 250 ألف برميل، لتصل الطاقة الإنتاجية الإجمالية للحقل إلى 750 ألف برميل يومياً مضافة إلى إجمالي طاقة أرامكو السعودية التي تربط الحقل بالعالم من خلال الألياف البصرية عن طريق إدارتها في محافظة بقيق، بالإضافة إلى شبكة لاسلكية للاتصالات، دون الحاجة لاستخدام شبكة الأقمار الصناعية.
التحدي الكبير
"حقل شيبة النفطي".. قصة للتحدي الكبير للطبيعة القاسية في الربع الخالي، ولواقع الطموح وكيفية السعي له وبلوغه، ضربت فيها إرادة الرجال وعزائمهم أروع مثل للكوادر الوطنية المثابرة التي تستحق الإكبار، بتخطيط متقن من شركة أرامكو السعودية.
إنهم نحو 1000 موظف سعودي يتحدون الصعاب، ويصنعون المعجزات بصبرهم، ومثابرتهم للعمل والحياة في ظروف بيئية وطبيعية مختلفة، ويشغلون نسبة 99% من إجمالي الأيدي العاملة في ذلك الموقع، ويعملون وفق نظام الورديات بواقع 12 ساعة يوميا، تتخللها فترات للصلاة وتناول وجبة الغداء، حيث يقضون 4 أيام من كل أسبوع في موقع العمل في شيبة، ويقضون الأيام الثلاثة المتبقية من الأسبوع مع أسرهم كل حسب منطقته، وذلك وفق آلية عمل ورحلة أسبوعية تمثل نمطا تجديديا للحياة، خلقت نوعا من الصداقة بين العاملين وبين "كابتن" طائرة الشركة الملتزمة بتوقيت الإقلاع والهبوط بالدقيقة.
ما وراء الرمال
إنها "مدينة ما وراء الرمال".. تحيط بها الكثبان الرملية من كل جانب، في موقع يوحي اسمه "الربع الخالي" بخلوه من الاستيطان، إذ شكل تكوينه الطبيعي من المرتفعات الرملية الوعرة والواسعة عائقا أمام الاستيطان فيه، إضافة إلى ظروفه المناخية حيث شدة الحرارة وقلة الأمطار، التي أدت إلى قلة غطائه النباتي وندرة مياهه العذبة.
وأرجع بعض الجغرافيين سبب تسمية الربع الخالي بهذا الاسم إلى تغطيته نحو ربع مساحة شبه الجزيرة العربية، ولخلوه من الاستيطان البشري في السابق. إلا أن "أرامكو السعودية" استطاعت بناء مدينة "متكاملة" الخدمات في "قلب الكثبان" تفوقت في خدماتها على بعض المدن الأخرى، حيث تتكون المنطقة السكنية من 9 مبان مهيأة بنمط حياة عصرية مريحة، مزودة بخدمات الإنترنت، ومركز للبريد، ومكتبة عادية وإلكترونية، ووسائل للراحة والاستجمام، ومرافق رياضية تشمل مسبحا مغطى، وملعبا لكرة القدم، وصالة مغلقة للألعاب الرياضية، وأخرى للحديد واللياقة، إضافة إلى مطعم يقدم الوجبات الرئيسة مجانا على نظام البوفيه المفتوح، كما يتوسط الحي مسجد كبير بجانبه "ديوانية" عامة بنظام الـ5 نجوم مفتوحة لجميع الموظفين على اختلاف درجاتهم يلتقون فيها حسب ظروف عملهم. وتغطي خدمات الاتصالات التي تقدمها شركات مختلفة، جميع أجزاء منطقة السكن والعمل والحركة بالحقل.
بيئة الموقع
من 3 مناطق رئيسة يتكون حقل شيبة، هي: المنطقة السكنية التي يتصدرها مطار شيبة المصمم لاستقبال كافة أنواع الطائرات بمدرجه البالغ طوله 3 كيلو متراًت، بالإضافة إلى 9 مبان لسكنى العاملين في الحقل، وكذلك المنطقة الصناعية "المعامل"، والتي تبعد عن منطقة السكن حوالي نصف ساعة بالحافلة، بالإضافة إلى منطقة الخدمات المساندة التي تضم مرافق الصيانة والإطفاء والكهرباء والمياه والاتصالات. دون إغفال برامج البيئة، حيث أنشأت الشركة وحدات لمراقبة الهواء والماء، ووحدة لتدوير ومعالجة المياه وفق أحدث التقنيات في هذا المجال.
شبكات الطرق
ترتبط المناطق الثلاث بشبكة طرق مسفلتة تصارع الرمال بشكل شبه يومي، حيث تتولى الجرافات إزاحتها لتمكين مستخدميها من السير بها، ويلفت الانتباه تزيين جانبي تلك الطرق بلوحات كتبت عليها قيم أرامكو من الالتزام والإتقان والانتماء، والمبادرة وحب العمل، والعطاء والتطوع، والمحافظة على البيئة، وبناء الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة للوطن والعالم. قيم تعطي الطريق بعدا آخر يستهدف تأصيل الثوابت لتعزيز همم العاملين، وتحفيزهم لأداء أفضل، والصبر على متاعب العمل لتحقيق غايات أسمى لهم كأفراد، ولوطنهم وأمتهم.
الغاز المسال
تؤكد شركة أرامكو السعودية أن حقل شيبة يمثل جزءا هاما من برنامجها الاستثماري الذي يستهدف رفع طاقتها الإنتاجية لمشاريعها العملاقة في مجالات الزيت والغاز وسوائل الغاز الطبيعي، والتكرير والبتروكيميائيات، حيث بدأت أعمال إنشاء مشروع الغاز الطبيعي المسال بحقل شيبة بالربع الخالي بطاقة 250 ألف برميل يوميا، وحوالي مليار قدم مكعب من الغاز المفروز في اليوم، على أن يبدأ الإنتاج في النصف الأول من عام 2014 ويمثل هذا المشروع المرحلة الرابعة من توسعة الحقل الذي يضم 3 معامل قائمة للزيت والغاز بمواصفات عالمية تنتج نحو 750 ألف برميل يوميا.
أكبر إنتاج عالمي
بنجاح "أرامكو" في بلوغ طاقتها القصوى الثابتة لإنتاج الزيت الخام إلى 12 مليون برميل يومياً العام الماضي، وهو أعلى مستوى من الطاقة تبلغه الشركة في تاريخها، ولا تضاهيها فيه أية شركة أخرى في صناعة البترول، بالإضافة إلى نجاحها في زيادة حجم الطاقة الإنتاجية في العام الأخير بمقدار يفوق الطاقة الإنتاجية الكاملة لأكثر الدول تصديرا للنفط في العالم؛ أصبحت بذلك شركة أرامكو السعودية أكبر مصدر للطاقة البترولية في العالم، ملتزمة في ذلك بتطوير الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادره، والإسهام في أمن الطاقة واستقرار الأسواق، إلى جانب تهيئة بيئة مواتية للابتكار والأخذ بزمام المبادرة.