حذر خبراء وسياسيون مصريون من أن هناك أصابع إيرانية تسعى إلى تأجيج الأوضاع في منطقة الخليج لتحقيق أهدافها الإستراتيجية وأطماعها عبر محاولات فرض نفوذها وتدخلها في الشأن الداخلي لمحيطها الإقليمي خاصة في البحرين واليمن، اعتقادا منها أن البحرين هي الحلقة الأضعف في منظومة دول الخليج.
وقد دان مصدر سعودي مسؤول أول من أمس هذا التدخل واستنكر بيان لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الإيراني، الذي نعت السياسة السعودية باللعب بالنار في منطقة الخليج، وطالب المملكة بسحب قواتها من البحرين. وأوضح المصدر أن البيان تجاهل عن سابق إرادة وتصميم حقائق التدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة وانتهاك سيادتها واستقلالها، ومحاولات إثارة الفتن والقلاقل على أراضيها، في سياسات عدوانية تضرب عرض الحائط بكل الأعراف والقوانين الدولية ومبادئ حسن الجوار، وآخرها التدخل الإيراني السافر في الكويت بشبكة تآمرية مرتبطة بعناصر رسمية إيرانية.
وأضاف المصدر أن مروجي هذه الأكاذيب، نسوا أو تناسوا عمدا أنه ليس من حق إيران انتهاك سيادة البحرين، أو إقحام أنفها في شؤونها أو شؤون أي دولة خليجية، أو محاولة مصادرة حق البحرين المشروع في الاستعانة بقوات درع الجزيرة الخليجية، التي تكفلها لها اتفاقات دول مجلس التعاون وتمنحها الحق في الاستعانة بقوات درع الجزيرة مثلها مثل بقية دول المجلس الأخرى، وذلك لحفظ الأمن والسلام وحماية الشعب البحريني ومكتسباته.
زعزعة الاستقرار
وسعت إيران طوال الفترة الماضية إلى فرض نفوذها على منطقة الخليج بهدف إضعافها وزعزعة استقرارها، وهو ما تجسد بوضوح في مخططاتها الرامية إلى السيطرة على البحرين، ظناً منها أن "البحرين هي منطقة الضعف الرئيسية في دول الخليج". وتشير تقارير سياسية موثقة إلى أن "إيران تريد إقامة جمهورية إسلامية في البحرين، على أن تتجنب هذه الجمهورية في المرحلة الأولى من تكوينها إظهار ولائها لإيران، وأن تعمل كدولة مستقلة تقدم لها الدعم الكامل ولكن بصورة سرية لتمكينها من إعداد الوضع في البحرين خلال الفترة المقبلة لتحقيق الأهداف الأخرى الأهم وهو وضع كل دول مجلس التعاون أمام أمر واقع سوف يؤثر بشدة على مواقفها ويجعلها تتقرب من إيران وتقدم لها التنازلات لإرضائها في مرحلة ما بعد إسقاط الملكية في البحرين".
وأضافت التقارير أن الخطوة التالية بعد إكمال الإعداد النفسي والسياسي والاقتصادي في البحرين، فهي استغلال وجود أغلبية شيعية لإجراء استفتاء شعبي لتقرير مصيرها بعد رفع دعوات بضمها إلى إيران كمحافظة إيرانية، وهو ما يمهد الطريق أمام ضم البحرين إلى إيران.
وأكد الخبراء والسياسيون المصريون لـ "الوطن" أهمية الخطوة التي اتخذت باتجاه دخول ودعم قوات درع الجزيرة البحرين لحماية آمنة في مواجهة مخططات إيران لضمها باعتبارها محافظة إيرانية على غرار ما استهدفته العراق باتجاه الكويت خلال حرب الخليج 1991.
محاولات التدويل
وقال مدير مركز دراسات الشرق الأوسط الدكتور طارق فهمي إن إيران تعتبر البحرين الميناء الخلفي لها ولديها أطماع فيها، وهذا يأتي ضمن التدخل الإيراني القوي في الملف الخليجي ليس فقط في إطار مسمى الخيار الشيعي مقابل السني لكن إيران تسعى وفق إستراتيجية لها لضم البحرين واعتبارها واحدة من المحافظات الإيرانية، الأمر الذي يثير التساؤلات حول كيفية تعامل إيران مع التطورات في البحرين خاصة في ظل ما تشهده إيران ذاتها من اضطرابات داخلية بسبب المظاهرات المناهضة لنظام الرئيس محمود أحمدي نجاد.
وحذر فهمي من تدويل القضية لافتا إلى أن إيران قد تفتح دائرة المواجهة مع القوى الأجنبية بالبحرين، ولذلك لابد من اتخاذ خطوات فاعلة من قبل مجلس التعاون الخليجي لتطويق الأزمة في البحرين. وأكد فهمي أهمية الدور السعودي - الكويتي في تهدئة الأوضاع بالبحرين، لافتا إلى أن دول الخليج تشكل أطماعا لإيران من حيث الاقتصادات والنفط ومن ثم فإنه لابد من توجيه رسالة لها بأن هذه الدول لن تقبل العبث بأمن إمارة أو مملكة. وأضاف فهمي أن التهديدات الإيرانية باتت جلية في العديد من دول المنطقة لاسيما في اليمن والقرن الأفريقي، وكذلك تجاه مصالح مصر فهو صراع على النفوذ في اليمن وأفريقيا ويأتي ذلك ضمن النموذج الإيراني الذي يخطط للسيطرة على المنطقة وهو ما يقتضي التصدي له بكل الجهود.
أهمية درع الجزيرة
من جهته حذر المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية السفير محمد شاكر من وجود مخططات إيرانية تسعى للتدخل في شؤون المنطقة وتأجيج الاضطرابات بما يهدد استقرار هذه الدول، الأمر الذي يجب التنبه إليه ورفض أي تدخل إيراني. وأكد شاكر أهمية دور قوات درع الجزيرة والتي تأتي في إطار التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي لحماية أراضيها وحماية الأمن فيها وحرمان أي طرف أيا كان من التدخل في شؤونها الداخلية، وإعطاء رسالة واضحة بأن هذه الدول قادرة على أن تحمي نفسها.
ونبه السفير شاكر إلى أهمية العمل على إنشاء قوات حفظ سلام عربية، معتبرا أن هذه خطوة بناءة وضرورية لحماية أمن الوطن العربي، داعيا إلى التنسيق في هذا الإطار بين دول المنطقة تحت مظلة الجامعة العربية.
رافد مجلس التعاون
وفي هذا الإطار قال نائب الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد بن حلي إن المصلحة العربية تتطلب أن تكون الدول العربية هي السباقة في معالجة القضايا العربية، كمبدأ أساسي. وأضاف أن مجلس التعاون الخليجي يشكل رافدا أساسيا من روافد العمل المشترك تحت مظلة الجامعة العربية، وأن دعم قوات درع الجزيرة للبحرين يعد عملا إيجابيا.
مخطط إيراني
من جهته، أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان الدكتور جهاد عودة، أن ما قامت به إيران في البحرين مؤخراً هو جزء من مخطط إيراني امتد على مدى السنوات الماضية، وهو مخطط لم يتوقف في أي عصر من عصور الحكم هناك، لكنه تعرض في فترة من الفترات إلى ما يمكن وصفه بالهزيمة، مثلما حدث أثناء أزمة الحوثيين في اليمن. لكن مع تصاعد حدة التوترات الإقليمية التي تعيشها المنطقة العربية ككل، في الوقت الراهن، سعت إيران إلى إعادة رسم الخريطة الإقليمية بما يضمن استعادة الدور الإيراني، ودور القوى المؤيدة لطهران في المنطقة، بحيث تكون إيران دولة فاعلة على الصعيد الإقليمي.
وأضاف عودة، في تصريحات إلى "الوطن"، بأنه "يجب منع إيران من أن يكون لها تأثير نافذ في المنطقة من خلال إقامة علاقات إستراتيجية قوية على صعيد دول الخليج كما هو الحال بالنسبة للدور الذي يقوم به مجلس التعاون الخليجي وقوات درع الجزيرة". وكذلك "إقامة علاقات إستراتيجية قوية على صعيد الدول العربية ككل، إضافة إلى إقامة علاقات إستراتيجية قوية مع الدول الكبرى بما يضمن منع إيران من اللعب بأوراق المنطقة وفقاً لمصالحها وأجنداتها التوسعية".
وأشار عودة إلى ضرورة العمل داخل البلدان الخليجية من أجل تقوية السلطة الوطنية وإعلاء مفهوم المواطنة داخل دول الخليج".
طموحات توسعية
أما مساعد وزير الخارجية الأسبق رئيس حزب مصر الحرة تحت التأسيس السفير عبدالله الأشعل، فأكد على أن الطموحات الإيرانية لا تتوقف عند حدود دول الخليج. وأشار إلى أن "إيران دولة لها طموحات توسعية لا تتوقف عند حدود الخليج، وإنما تمتد إلى المنطقة كلها، وهي طموحات لا يمكن فصلها عن إصرار إيران على التعامل مع شيعة المنطقة على أنها الراعي الرئيسي لهم من أجل تحقيق أجندتها الفارسية التوسعية، حيث سعت طهران، على مدى عصور حكمها، إلى الرهان على مستقبل المنطقة من خلال الظهور بعباءة المدافع عن الشيعة، وهو ما يمكن مواجهته عربياً وخليجياً من خلال تفعيل الانتماء الوطني للشيعة والتكاتف العربي- العربي للتصدي للمشروع الفارسي. وأضاف أن إيران نجحت في أن تكون الطرف الآخر في جميع الملفات العربية المشتعلة كما هو الحال في العراق ولبنان والبحرين، إضافة إلى كونها طرفاً في المعادلتين الأفغانية والباكستانية، حيث يشكل الشيعة في باكستان، على سبيل المثال، نحو 20% من إجمالي عدد السكان، كما أن إيران تلوح دائماً بقدراتها على غلق مضيق هرمز والذي يمر من خلاله حوالي نصف النفط الذي تنتجه دول الخليج".
ويرى الأشعل، في تصريحاته إلى "الوطن"، أن "العلاقات التجارية يمكن أن تكون ورقة ضغط قوية في تعامل دول الخليج مع إيران"، مشيراً إلى "أن حجم المعاملات التجارية بين إيران ودبي يقدر بنحو 6 مليارات دولار".
ويضيف أن "استعادة مصر لدورها الإقليمي كقوة كبرى في المنطقة العربية يمكن أن يصب في مصلحة دول الخليج وبما يضمن عدم وجود فراغ سياسي في المنطقة بسبب انكماش دورها الإقليمي، وهو الفراغ الذي يمكن أن تستغله إيران حتى تنفذ من خلاله لتحقيق أهدافها التوسعية معتمدة على نفوذها كقوة نووية ناشئة".
شراكة أمنية
وبدوره يشير الرئيس الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية اللواء حسام سويلم، إلى أن "تصدير الثورة له إدارة مستقلة معروفة في وزارة الخارجية الإيرانية، وتعمل بمنهجية بحيث تفرض الهيمنة الإيرانية ليس فقط على دول الخليج أو الدول العربية وإنما أيضا على الدول الأفريقية التي تتمتع بميزات جيوسياسية، كما هو الحال بالنسبة لدولة إريتريا، حيث دخلوا إلى تلك الدولة الفقيرة استغلالاً لموقعها، على مدخل جنوب البحر الأحمر الذي يتحكم في قناة السويس ومن خلاله يستطيعون تهديد اليمن والسعودية وتمرير أسلحتهم إلى السودان ومنها إلى مصر. كما "أنشأوا قاعدة عسكرية في إريتريا ومحطة لتكرير النفط. ويؤدون دوراً خطيرا في الصومال".
ويضيف سويلم "لا بد لمواجهة إيران من إقناع الدول العربية بخطورة الأطماع الإيرانية، ولا بد من التحرك أمنياً في مراقبة إيران وأذرعها التي تستهدف التدخل في المنطقة وضرورة قطع هذه الأذرع أولا بأول". بالإضافة إلى توفير الاستقرار في لبنان وغزة، وهذا كله يحد من الدور الإيراني، وأيضا ضرورة التحالف المصري- السعودي لمواجهة هذا الدور. وهو ما سبق أن حدث في المناورات المصرية السعودية والتي شاركت فيها قوات من الصاعقة. ويرى سويلم أهمية "مواجهة المد الإيراني في المنطقة، عبر مشاركة عسكرية تسبقها شراكة سياسية، وتتوافق معها شراكة أمنية، لمواجهة المخطط الإيراني".
أوراق ضغط
إلى ذلك لفت رئيس المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية اللواء أحمد فخر إلى "المخططات الإيرانية التي تسعى لتفكيك العالم العربي. كما أنها تسعى لخلق أجواء الحرب في المنطقة من خلال مطامعها التي تخطت حدود العقل، من خلال محاولة تغير موازين القوى في المنطقة وخلق أوضاع تهدف إلى خدمة مصالحها، وكذلك سعيها إلى تجميع أوراق بيدها للضغط والتأثير استعدادا لاستخدامها من أجل تحقيق مصالحها الخاصة، ومنها طريقة تعاملها مع الولايات المتحدة".