"في حياتهم عبرة، وفي موتهم أيضاً عبرة. هكذا حال المشاهير أخيارهم وأشرارهم، السبب أنهم ليسوا كسائر الناس، هم مختلفون بحكم مواقعهم، مناصبهم، مكانتهم الاجتماعية، قدرتهم على التأثير على غيرهم، أو دورهم في إعادة صياغة التاريخ سلباً أو إيجاباً" الموت منعطف لحظي وانعتاق سكوني، يتوقف عنده كل صخب الحياة الحسي، ويستحيل في جوهره تمكيث الإنسان وخلوده، الخوف منه يأخذ الكائن الحي إلى مناطق تحميه من البوار والهلاك، لعله يحظى بطرق آمنة تقيه لقاءه، وتنقذه من وطأة المصير المحتوم، ولكن أين المهرب؟ مهما انفتحت لك منافذ الرؤية ومهما شيدت من فضاءات الاحتراز فإنه ملاقيك، يضيق الإنسان بالحديث عن الموت ولا يحب مقاربته أو الحديث عنه كعمق روحي ومهرب إلى دار أخرى. ولكننا عند الانفلات من قبضة الحياة إلى حضن الموت نبدأ في طرح الأسئلة المأزومة عن آخر لحظات ذلك الكائن الراحل وآخر تبدلاته وإدهاشاته، وما ظهر من كوامن حواسه ومقولاته وانفعالاته التي يتمفصل من خلالها ما بين الموت والحياة، وهي لحظات ثرية وغنية ومكتظة بالوضوح غير المستتر. لقد حاولت الكاتبة "سلمى مجدي" أن تدون الساعات الأخيرة في حياة المشاهير وما قالوه يوم رحيلهم عن الدنيا، فتناولت عدداً من الصحابة والتابعين والعلماء والزعماء السياسين والقادة العسكريين ونجوم المجتمع، حيث أوردت مقولة الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما حين وافته المنية قال:

"أجلسوني فجلس يذكر الله ثم بكى وقال: اللهم أقل العثرة واغفر الزلة وجد بحلمك على من لم يرجو غيرك ولا وثق بأحد سواك " وحدث المزني قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً ولكأس المنية شارباً، وعلى الله جل ذكره وارداً، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة أم إلى النار؟ ثم بكى وأنشأ يقول: إليك إله الخلق أرفع رغبتي وإن كنت يا ذا المن والجود مجرما. ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما. تعاظم بي ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما. وقد استعرضت الكاتبة اللحظات الأخيرة لبعض الشخصيات العالمية حيث أوردت ما قاله الرئيس الهندي جواهر لال نهرو بعد أن اشتد عليه المرض، وجاءته ابنته انديرا تسأله إن كان يريد شيئاً فقال ضاحكاً: "بعض الحياة" ويقول الروائي الروسي ليو تولستوي مخاطباً زوجته: لقد حانت لحظة إصلاح كل الأخطاء، سوف أخرج إلى غير عودة، لا تتعبي نفسك بالبحث عني، فهذا ما نتمناه نحن معاً ألا أراك وألا تريني" وكان القسيس يطلب منه أن يردد وراءه بعض الآيات لكن تولستوي رفض قائلا: "لا أريد أن يكون آخر ما أنطق به كذباً في كذب".