التيارات الإسلامية الإرهابية! الإسلامويّون! الأصوليون! الإسلام السياسي! الرجعيّون! وغيرها من التسميات التي كنا نسمعها في أخبار عام 2010 وما قبلها، وكانت تُطلق على التيارات والجماعات الإسلامية هكذا دون تمييز، فكل ما هو تيار إسلامي كان شبه إرهابي، ويحض على القتل والعنف والتمييز ضد المرأة والأقليات في الإعلام الرسمي لعدد من البلدان الغربية والعربية. السجون في العالم العربي كانت ملأى بأعضاء أو حتى من متعاطفي تلك الجماعات، ومن سجن إلى آخر، ومن تُهمة إلى أخرى! بل مجرد الانتماء إلى إحدى تلك الجماعات السلمية كانت جريمة يستحق صاحبها السجن، وهكذا مضى ذلك العام والأعوام من قبله.

ولكن ليس بعْدُ الآنَ؛ فأولئك المطاردون والسجناء أصبحوا اليوم من يمسك (أو سيُمسك) بزمام ثلاث دول بشكل رسمي، وربما غيرها في الطريق! سبحان مغير الأحوال، من كان يتوقع أن يحدث هذا وفي أشهر معدودة!

بعد هذه النتيجة المتسارعة؛ لم يُخف الكثيرُ تخوّفه من وصول الإسلاميين للحكم، خاصة في الدول الغربية التي طالما كانت في حالة شبه حرب مع تلك الجماعات، وما أكثر ما كُتب عن هذا الموضوع في الصحافة الغربية، بالإضافة إلى بعض مؤيديّ العلمانية المعادية للدين في الدول العربية. فهل هذا الخوف مبرر؟ وهل سيُقحِم الإسلاميون البلادَ في حروب وصراعات ربما البلادُ في غنى عنها؟ وهل دخول الإسلاميين في العملية الديموقراطية مجرد مرحلة للاستيلاء على الحكم ومن ثمَّ الانقلاب على الديموقراطية؟ وهل سيُحولون البلد إلى دولة طالبان ثانية؟ كل هذه الأسئلة نسمعها باستمرار، وتُطرح بشكل كبير في الأوساط الغربية والعربية غير المتبنية للفكر الإسلامي، فهل هي تُعبِّر عن خوف مبرر؟

الحقيقة أنه لا يمكن الجواب عن كل هذه الأسئلة بشكل سريع في مقال عابر؛ إلا أن تلك الحكومات البائدة كانت تُمارس سياسة تخويف وترهيب الغرب من تلك التيارات، ولم تتوانَ تلك الحكومات في تشويه صورتهم وتزييفها. ولكن ـ جوابا على تلك التساؤلات ـ أستطيع القول إن أولئك الذين كانوا خارج اللعبة السياسية الشرعية أصبحوا اليوم مختلفين، ولم يعودوا كما هم بالأمس. فهم الآن أكثر وعياً وإدراكا للظروف السياسية التي كانوا خارجها تماما، وكان يُمارس في حقهم وحق الشعب بأكمله سياسة التجهيل والتعمية لشؤونهم السياسية. فهم الآن يطّلعون على كل المستجدات من خلال الانفتاح الإعلامي، ويدخلون في حوارات ومفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع الأطياف الأخرى، وارتفع بلا شك مستوى الإدراك والوعي السياسيين لديهم ولدى المنطقة بأسرها بفضل هذا الانفتاح الإعلامي الحديث. كما أن تلك الخطب الهجومية والتحريضية على التيارات الأخرى قد خفّ نغمها، ورأينا العديد من المبادرات الإيجابية نحو الاندماج والتفاهم مع الآخرين.

بالتأكيد هناك اختلافات كبيرة بين التيارات الإسلامية، ولا يمكن وضعها جميعا في بوتقة واحدة، إلا أن الأعم الأغلب في سلوكياتهم الشخصية؛ هو أنهم أناس يؤثرون الآخرين على أنفسهم، وربما تجد الواحد منهم يسهر الليل كله لأجل مساعدة الآخرين ومعاونتهم، لا يرجو من ذلك الشهرةَ أو الدنيا إنما الأجرَ والمثوبةَ عند الله تعالى. كما أن الرحمة والعطف تملأ قلوبهم، ولديهم استعداد عجيب للتفاني والتضحية لأجل قضيتهم أو لنصرة من يحتاج إليهم.

ومع ذلك؛ فإني لا أستطيع أن أخفيَ تخوُّفي من المستقبل المجهول، خصوصا في مصر وما حولها، حيث بنت العديد من تلك التيارات جزءًا من شرعيتها على العقيدة الثورية والصدام، وهذا بلا شك لا يتناسب مع الوضع الحالي. بالإضافة إلى أن عددا منهم يَعتبر الكثير من الأمور الخاضعة للسياسة الشرعية (المصلحة) أنها أمور جامدة لا اجتهاد فيها، وأنها أمور محسومة بالشكل الذي روّجوا له ونشأ عليه العديد من الأتباع والمتعاطفين، مما يسبب حرجا كبيرا وجمودا تجاه المتغيرات والظروف المحيطة. وهذه الإشكالية تعاني منها جميع التيارات الدينية سواء منها الإسلامية أو غيرها، فالسياسة خاضعة للمصلحة والنسبية بينما المبادئ الدينية ليست كذلك، مما يسبب لهم حرجا كبيرا في التعاطي السياسي. كما أن نقص الخبرة والمهارة السياسية نظرا لعدم الممارسة العملية للحياة السياسية الفعلية في السابق؛ قد يسبب لهم الكثير من المشاكل، وأرجو ألا يتعدى ذلك إلى مشاكل للبلد أو المنطقة بشكل عام. ولذلك؛ ربما ـ في هذه المرحلة على الأقل ـ عدم حصول تيارٍ ما على الأغلبية المطلقة في البرلمانات يعتبر شيئا إيجابيا للمصلحة العامة، وقد يكون سبيلا نحو بناء كيانات جديدة أكثر استقرارا وفاعلية. كما أن تلك التيارات لم تعتد على الانفتاح والتعددية في هياكلها الداخلية، حيث بُنيت بشكل لا يخفى فيه الطابع الأمني، نظرا للحالة المتأزمة التي كانوا يعيشونها مع تلك الأنظمة، وهذا التحول السريع قد يُسبب لهم أزمة داخلية مع الأتباع أو المنتسبين، ما لم يكونوا واعين ومتفهمّين لطبيعة المرحلة التي يواجهونها.

أخيرا؛ ربما يكون من الواجب الديني والوطني أن تنفتح جميع التيارات على بعضها، وأن تسعى إلى تقوية الرابطة الوطنية، وألا تحاول تغذية الانقسامات والخلافات بين أبناء البلد الواحد، والتي قد لا تخدم سوى الأعداء.

أرجو أن يكون المستقبلُ ربيعاً كما هو اسم الربيع العربي، وأن يلحق هذا الربيع حصادا غنيا بالخيرات والمغانم لتلك البلدان.