الأمل بأن تعود السيادة للغة العربية ذات يوم في المجتمعات الإسلامية يجب أن يكون هدفا استراتيجيا للمشتغلين في الأدب والثقافة والتعليم، لكن هؤلاء لا يستطيعون العمل من دون أن تكون خلفهم حكومات ومجتمعات قوية جاذبة، فاللغة تقوى بقوة الحضارة المتحدثة فيها، والحضارة العربية والإسلامية اليوم ضعيفة ولا تستطيع المنافسة على أي مقعد في الصفوف الأمامية حيث تتسيد الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية.

جاء يوم كان نصف العالم يتحدث العربية، من إسبانيا إلى جنوب الصين شرقا، وكانت الشعوب تنظر إلى العربية كلغة حضارة متقدمة يحلمون بتعلمها، ليصفوا أنفسهم بالمثقفين، كما نفعل نحن الآن حين نرطن بالإنجليزية مدللين على مستوى علمنا وثقافتنا، فاللغة التي تسود ترفع بالضرورة من شأن المتحدثين بها، وتقدمهم كأفراد أو مجموعات أكثر تحضرا ورقيا، وهذا أدى إلى تغليب اللغات الأجنبية على العربية في جميع البلدان العربية دون استثناء وفي مختلف ميادين العمل والمعرفة، وهذا شيء طبيعي إذا عرفنا أن أوعية المعرفة نفسها إنجليزية أو فرنسية المحتوى، ولا مناص من تعلم إحدى هاتين اللغتين لمن أراد أن يتقدم في مجال عمله الثقافي أو العلمي.

ليست هذه هي المشكلة، فلدينا أقوال مأثورة بضرورة تعلم لغة الآخرين، لكن المشكلة التي نواجهها هي في احتقار أبناء العربية للغتهم واعتبارها لغة لا تستجيب لطموحاتهم العملية والعلمية، ولا تساهم في تقدمهم المعرفي.

كان هذا نتيجة طبيعية لتخلف العرب العلمي والاقتصادي وأخيرا تخلفهم الثقافي الذي جرهم إليه الاستبداد وانعدام الحريات والانقسام والتحارب، بحيث لم تعد هذه الأمة قادرة على إنتاج أي معرفة أو ثقافة تضيف إلى ما هو موجود في العالم شيئا.

أخشى أن أضع ما يسمى دولة إسرائيل في الجانب المقارن لنرى كم عدد الحاصلين على نوبل من بين ستة ملايين إسرائيلي وعددهم من بين مائتي مليون عربي المقارنة مضحكة وتبدو هزلية هناك ستة فائزين عرب بالجائزة مقابل 10 إسرائيليين وهناك 80 نوبل منحت لليهود البالغ عددهم 15 مليون نسمة في مقابل 7 نوبلات للمسلمين الذين لامس عددهم سقف مليار ونصف نسمة.

يكاد المرء يخجل من التذكير بأن كافة العلوم العصرية هي ذات منشأ عربي وكتبت أصولها باللغة العربية، إلى حد أنه حين كان الأميركيون يقصفون بغداد بصواريخ توما هوك الموجهة، كتب أحد الأميركيين في نيويورك تايم قائلا: ربما لا يعرف الأميركيون أن الصواريخ التي تدك بغداد الآن تقوم نظرية تصنيعها على الخوارزميات، وهي نوع من المعادلات الرياضية اكتشفها عالم مسلم كان يعيش في بغداد قبل 1100 عام.