أظهر مؤشر مدركات الفساد (CPI) الصادر مؤخراً عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2011 تراجع المملكة سبعة مراكز في المؤشر، حيث تراجعت من المركز الـ 50 عام 2010م بـ 4.7 درجة من 10 درجات، إلى المركز الـ 57 هذا العام بـ 4.3 درجة.

وبهذا الشأن صرّح رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الأستاذ / محمد الشريف عبر إحدى الوسائل الإعلامية قائلاً: "إن اختلاف ترتيب المملكة فيما يتعلق بالتقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2011.. ليس سببه تراجعاً بقدر ما هو اختلاف في ترتيب دول أخرى"، ثم ذكر أيضاً أن المملكة بجميع أجهزتها الرقابية والضبطية والوقائية أمام تحد كبير لتحسين ترتيبها، كما أكد على ضرورة العمل الجاد لاستئصال الفساد من خلال اقتراح وتعزيز الأنظمة والسياسات اللازمة لمنع الفساد ومكافحته.

وبالرغم من تصريح رئيس الهيئة حول هذا الموضوع، إلا أن مؤشر مدركات الفساد لا يزال غامضاً بالنسبة للكثيرين، صحيح أن الجميع يتفق على أن المؤشر يعطي مقياساً لحجم الفساد في دول العالم، إلا أنه لا يعرف كيف تم احتسابه وعلى ماذا يستند من معايير ومقاييس؟ وما هي سلبياته وإيجابياته ؟ وأخيراً كيف يتم التعامل معه والحصول على ترتيب أفضل في المستقبل؟

وبسبب هذا الغموض يتعامل البعض مع تصريحات المسؤولين حول هذه المؤشرات بشكل سلبي، وبالتالي يعتبرون هذه التصريحات مجرد مبررات لا تسمن ولا تغني من جوع، كما يزيد ذلك من درجة الغموض حول جهود مكافحة الفساد والإصلاحات الإدارية.

ولا أخفي على القارئ الكريم أني كنت أتوقع حصول المملكة على ترتيب أفضل في السنة الحالية، وخاصةً في ظل الإصلاحات الإدارية الجديدة التي تبنتها المملكة، والتي منها على سبيل المثال إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وإنشاء وتفعيل وحدات المراجعة الداخلية في الجهات الحكومية، ولكن النتيجة خالفت التوقعات وذلك بسبب وجود بعض الإشكاليات تتعلق بالمؤشر؛ حيث تبين لي فيما بعد أن جهود الإصلاحات لا تنعكس في المؤشر!، لذا أجد من الضروري هنا الحديث حول هذا الموضوع مبيناً أهم السلبيات والإيجابيات لمثل هذه المقاييس، مع وضع بعض المقترحات التي قد تساعد في تفعيل جهود مكافحة الفساد في المملكة .

لن أدخل في التفاصيل في الحديث عن مؤشر مدركات الفساد، ولكن سأكتفي بتقديم مجرد لمحة مختصرة عنه قد تسهم في توضيح الإجابة عن الأسئلة التي تم طرحها آنفاً.

يعتبر هذا المؤشر الأكثر استخداماً على المستوى الدولي، وقد أوضح بيان المنظمة أن المؤشر يغطي أكثر من 180 دولة، ويمثل مقياساً مختلطاً من عدد من المقاييس أو المصادر التي تقدمها جهات مختلفة (مثل البنك الدولي، ومنتدى الاقتصاد العالمي، وآراء رجال الأعمال)، بحيث يتم معالجتها وتوحيدها في مؤشر يتراوح من 1 إلى 10 درجات، وكلما ارتفعت الدرجة كان هذا مؤشراً إلى خلو البلد من الفساد، وكلما انخفضت كان مؤشراً إلى ارتفاع الفساد.

وترتبط درجات المؤشر إحصائياً بالعديد من المؤشرات التنموية والاقتصادية مثل متوسط الدخل، ونسبة الفقر، ونسبة الإنفاق على التعليم والصحة، ويتم استيفاء البيانات والحصول على المعلومات من خلال 17 مسحاً، تكشف مدى تنفيذ قوانين مكافحة الفساد، والوصول إلى المعلومات وتضارب المصالح.

ومن إيجابيات هذا المؤشر، أنه يعطي نوعاً من التشجيع والتنافس بين دول العالم، حيث تسعى كل دولة إلى تحسين رتبتها في المؤشر، كما أنه يعطي صورة إجمالية لدرجة الفساد في الدولة، حيث يعتبر مرحلة أولى لقياس الفساد تتلوها مراحل أخرى تساعد في عملية التحليل والتشخيص وتحديد أولويات المكافحة والإصلاح.

وقد ذكرت إحدى دراسات وأبحاث المنظمة العربية لمكافحة الفساد، وكذلك الدراسة التي أجراها (فريدريك غالتونغ) والذي يعتبر من مؤسسي منظمة الشفافية الدولية، والذي كان أيضاً وراء المنهجية الخاصة بالمؤشر، أن من سلبياته ما يلي:

• ليس هناك دراسات لتقييم مصداقية المؤشر، وذلك لتقييم درجة مطابقة المؤشر للواقع الفعلي، وخاصةً أنه يقيس انطباعات ومدركات عامة عن الدولة ككل.

• لأن عدد الدول المتضمنة في المؤشر يختلف من عام إلى آخر ، تصعب المقارنة على أساس المراتب بين الدول في كل سنة.

• يصعب الاعتماد عليه في صياغة سياسات وبرامج مكافحة الفساد، كما أنه لا لا يعكس الاتجاهات وجهود الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد.

• يركز المؤشر على ظواهر الفساد الصغير، ويهمل نوعيات وأشكال الفساد المتعلق بالمراكز العليا.

وتأسيساً على ما تقدم، وبناءً على إيجابيات وسلبيات مؤشر مدركات الفساد فإننا في المملكة بحاجة إلى وجود مقاييس ومؤشرات أكثر موضوعية ومصداقية لقياس الفساد وتقييم جهود مكافحته، والذي يعتبر من صلب مهام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في المملكة، كما على الأجهزة الرقابية أن تقنن أعمالها وتترجمها إلى إحصائيات وبيانات كمية، بحيث توفر مقاييس ومؤشرات موضوعية لا تمثل مجرد انطباعات.

فإحصائيات عمل الأجهزة الرقابية عن حالات الفساد والمخالفات المالية والإدارية المكتشفة، والحالات التي خضعت للتحقيق ونوعيتها، ومعدلات الإدانة وتنفيذ الأحكام القضائية، ومؤشرات تنفيذ الأحكام وغيرها تمثل صورة من صور المؤشرات الموضوعية التي يمكن أن تستفيد منها الهيئة الوطنية في عملية قياس الفساد، علماً بأن تنظيم الهيئة أكد صراحة على ذلك، حيث نص على :" تلقي التقارير والإحصاءات الدورية للأجهزة المختصة ودراستها وإعداد البيانات التحليلية في شأنها"، وعليه يمكن الحصول على مؤشرات وطنية لقياس الفساد تعكس الجهود الإصلاحية وجهود المكافحة، من خلال قاعدة بيانات ونظم معلومات قوية ؛ بحيث تخضع هذه المؤشرات للدراسة البحثية والتحليل وتستند إلى منهجية محكمة، وتستفيد من الخبرات العالمية في هذا المجال ، وتسلط الضوء على مكامن الخلل والقصور.