أحدث إعلان لجنة الاحتراف وأوضاع اللاعبين بالاتحاد السعودي لكرة القدم المتعلق بدراسة وضع الحد الأعلى لمقدمات عقود اللاعبين المحترفين ورواتبهم، ردود فعل متباينة ما بين مؤيد ومعارض في الوسط الرياضي، فهناك من يرى أن هذا رزق للاعب لا يحق لأحد التحكم فيه وأنه ضمان لمستقبله الذي قد ينتهي بإصابة ما، بينما يرى البعض الآخر أن هبوط مستوى بعض اللاعبين بعد التوقيع أو عدم انضباطيتهم يعد إجحافاً للنادي الذي قدم ملايين الريالات أملاً في الاستفادة من خدماتهم، ويرى فريق ثالث أن يتوزع المقدم مع الرواتب على أن يخضع الأمر إلى التقييم بشرط انتظام صرفها شهرياً.

"الوطن" رصدت مرئيات عدد من المهتمين في الشأن الرياضي السعودي ومقترحاتهم، تفاعلا مع اللجنة التي وجهت الدعوة للمشاركة في طرح الأفكار التي تسهم في صدور القرار الأمثل.

دمج المقدم مع الراتب

يجد المدير التنفيذي لهيئة دوري المحترفين السعودي محمد النويصر نفسه مع فتح سقف مقدمات العقود والرواتب لاختلاف مستويات اللاعبين، ويقول النويصر "يجب أن يرتفع المقابل وفقاً لتميز اللاعب، بأن توضع المقدمات مع الرواتب، ويكون هناك سقف أعلى لإجمالي الرواتب في النادي كما يحدث في عدد من الدول في العالم، وتحت هذا السقف تتباين الرواتب وفقاً لتميز اللاعبين، على أن يستثنى لاعبان اثنان في الفريق".

وتوقع النويصر أن العمل من وجهة نظره هو الأنسب لأن اللاعب كالفنان مواهبه محدودة وعمره في الملاعب قصير واحتمال إصابته واردة ولا يملك تأمينات على نفسه، مضيفا: "يجب أن تقدر الموهبة ولا يعني ذلك أننا نفرق بين اللاعبين بل على العكس هذا يعني أننا نقدر المميزين، علماً بأن على النادي أن يدخل مقدمات العقود مع الرواتب وليس بالدفعات لأن الدفعة الكبيرة تقتل طموحه، بينما يتم توزيعها على الرواتب وتكون مربوطة باستمرارية تقديم اللاعب لمستويات جيدة أو غير جيدة وهنا يأتي دور التقييم والعقوبات".

مبدأ الثواب والعقاب

ويعد نائب رئيس مجلس إدارة نادي الاتحاد بجدة محمد اليامي تحديد سقف العقود والرواتب نقطة تحول في عمل لجنة الاحتراف إذا ما أعدتها بالشكل الدقيق، مستطردا "من المهم تحديد مقدمات العقود الذي تأخرت لجنة الاحتراف في طرحه، ولكن بشرط ألا نحاول وضع محددات دون معايير معينة وواضحة تتعلق بمستوى أداء اللاعب وانضباطه كي تكون خارطة الطريق".

ويضيف "التحديد مهم للطرفين، فالنادي سيتمكن من ضبط مصروفاته واللاعب سيضمن حقوقه بل إنه من الأفضل أن يوزع مقدم العقد على رواتب اللاعب بصفة شهرية طوال مدة العقد، وهذا يدفع النادي إلى الوفاء بالتزاماته نحو لاعبيه في الوقت المحدد".

وتابع اليامي "لا بد أن يتم الربط بين مقدمات العقود ومستوى اللاعب ومبدأ الثواب والعقاب، فإذا قدم النادي مثلاً 10 ملايين ريال للاعب، هنا لا بد للجنة الاحتراف أن تتيح أنظمة وقوانين لكي أحاسب اللاعب عليها إذا هبط مستواه بالحسم من راتبه أو مقدم عقده، ليشعر اللاعب أن هناك رقيبا عليه إذا غاب أو لم ينضبط. والمفترض أن يتم تقييمه لضمان حقوق النادي وضمان حقوق اللاعب من خلال مبدأ الثواب والعقاب وهي جزئية لم تتطرق إليها لجنة الاحتراف، فطالما أن النادي يقدم المكافآت العالية والحوافز فلماذا لا يحسم من اللاعب إذا قصر، وإذا ما درست لجنة الاحتراف هذا البند بروية وصاغت اللوائح بدقة نحوه فإنها ستحقق مصلحة الأندية فيما يخص تنويع مصادر دخلها وترشيد مصروفاتها أما إذا خرجت بلوائح غير دقيقة فلن تتمكن من معالجة العجز المالي".

انتظام الرواتب

وعلى العكس يتحفظ رئيس نادي نجران مصلح آل مسلم على إصدار قرار متعجل، على الرغم من أنه يصب في مصلحة النادي، لكنه يقول "اللاعب في نادينا يوقع عقداً بسيطاً لا يتجاوز نصف مليون ريال، ولا يمكن أن أضع عليه لوائح وقوانين. كما أن اللاعب إنسان يمر بفترات صعبة من حياته ولا يمكن أن يقدم مستوى ثابتاً طوال الموسم ووجود الحسم سيؤثر عليه".

ويرى آل مسلم أنه لا يحسم على اللاعب لتذبذب أدائه إلا بعد تقييم للظروف الذي يمر بها، فكما هو يعطي للنادي لا بد أن يأخذ المال والتقدير وإلا فسيقل عطاؤه، إذ لا يمكن أن يكافأ اللاعب قبل أن يهبط مستواه بالحسم من راتبه، نظرا لأن تعاملا كهذا فيه كثير من القسوة، كما يجب أن يمنح اللاعب حقه شهرياً قبل البحث عن كيفية محاسبته.

رزق من الله

قائد فريق نجران الحسن اليامي يرى أنه إذا تم تحديد سقف لمقدمات عقود اللاعبين فهذا هو الإجحاف بعينه، فيقول "لا بد ألا يكون هناك حد أعلى لمرتباته الشهرية لأن هذا رزق من الله تعالى، ويجب أن ننتهج طريقة الدوريات الأوروبية حيث يتم الاتفاق بين النادي واللاعب في شأن داخلي لا يخص اتحاد القدم، فهذا مصدر رزق للاعب الذي تعد فترة احترافه في الملاعب قصيرة ويعتزل وهو لا يملك وظيفة مؤمنة".

أما فيما يتعلق بحق النادي فيقترح اليامي أن يضع النادي شروطاً جزائية على اللاعب في حال هبط مستواه أو لم يشارك دون عذر فيتم الحسم من مرتبه أو حسم نسبة معينة من عقده تتدرج ارتفاعاً مع السنوات، "هذه الشروط من شأنها حفظ حقوق النادي أما تحديد المقدمات والرواتب فهو عملية غير احترافية".

القضية تنظيمية

وفي ذات السياق يبدو رئيس تحرير صحيفة "قووول أون لاين" الإلكترونية خلف ملفي غير متحمس للفكرة، فهو يرى أن لعبة كرة القدم تعتمد على الموهبة ومن الصعب تحديد سقف للاعبين في ظل تباين مستوياتهم وقدراتهم وانتظامهم، فاللاعب المبدع لا بد أن يحفز ليتطور ويختلف عن زميله المميز انضباطيا. وهنا سيشعر بشيء من الإجحاف في حقه لأننا ساوينا بينهم أو قاربنا من المساواة.

يقول ملفي "العملية تنظيمية بحتة، بمعنى أن هناك ما هو أهم ويجب أن يلزم اللاعب بالتمرين صباحاً ومساء وبفترة زمنية لا تقل عن 3 ساعات في اليوم، وأن يستلم رواتبه شهرياً عن طريق البنك بانتظام وأن تسجل مهنته في هويته "لاعب محترف"، مشددا على أن اللاعب قد يمضي مدة قصيرة في الملاعب إذا ما تعرض لإصابة تعيق استمراره، لهذا يجب أن يحصل على المقابل المادي الذي يستحقه ويؤمن مستقبله.

وتساءل ملفي: للجنة الاحتراف تجربة غير ناجحة في فترة سابقة مع "تحديد سقف الرواتب"، فلماذا تعود إليها؟ خاصة أن للجنة الاحتراف تجربة ربما تستحق أن يطلق عليها "فاشلة" حينما استأنست بآراء مسؤولي الأندية في لائحة الانتقال، وهي مرفوضة دوليا، وجاءت الآراء بأن تبقى اللائحة، لكن الاتحاد الدولي أرغم الاتحاد السعودي على عدم التعامل بها لأنها تضر اللاعب وتبقيه تحت تصرف النادي، وزاد ملفي "للأسف أن اللجنة تضيع وقتها في مناقشة مواضيع غير احترافية رغم أنها جزء من منظومة الاحتراف الدولية"، واستدرك في نهاية حديثه بقوله "ربما تفاجئنا لجنة الاحتراف بنظام مقنع".

دفع الثمن

وأمام تباين وجهات النظر، يؤيد رئيس القسم الرياضي بصحيفة اليوم عيسى الجوكم تحديد سقف لمقدمات العقود بحجة أن الكرة السعودية تمر بمرحلة انحدار والعقود العالية لن تحفز اللاعبين على العطاء وهذا ما لمسناه خلال السنوات الماضية وتدفع الكرة السعودية ثمنه غالياً الآن، مشددا على أن ارتفاع المقدمات ليس في صالح الكرة السعودية وتؤثر عليها سلبياً، ومستشهدا بلاعب الاتحاد صالح الصقري حين اضطر النادي إلى دفع ملايين الريالات له وهو في ختام حياته الكروية.

وكلاء اللاعبين

يقول وكيل اللاعبين عصام العبدلي "لايوجد نظام لمقدمات العقود في الاتحاد الدولي بل رواتب شهرية فمثلاً النجم إيتو يحصل على 12 مليون يورو توزع على رواتبه، لكننا عمدنا أن يكون هناك مقدم عقد للاعبينا حتى يحصلوا على مبلغ كاف لشراء سكن".

ويرى العبدلي أن يقسم المقدم على الرواتب، إلا أن تحديد سقف للرواتب يخالف أنظمة الاتحاد الدولي، مضيفا "كوكيل يهمني المقدم لأحصل على حقي من العمولة وأحبذ التعامل مع النادي لأنه الجهة الأكثر اعتماداً عليه من اللاعب، فعندما يتم توقيع عقد لمدة أربع سنوات أتسلم مقابل سنتين بينما يقوم اللاعب بتغيير وكيل أعماله في السنتين المتبقيتين وأخسر الباقي. عموماً أرى أنه يمكن أن يكون هناك مقدم عقد بسيط يترواح بين 10% و 30% لكن هذا لم يحظ بقبول اللاعبين عندما حاولت إدارة المرزوقي عمل ذلك".

العمر الافتراضي

يوضح الأخصائي النفسي، عضو شرف نادي الاتحاد سابقاً الدكتور حاتم الغامدي أن لاعب كرة القدم لا يزيد عمره الافتراضي عن 20عاماً مقياسا بأقل فترة لمعدلات موظفي الدولة، موضحا أن في عقود اللاعبين نقطة أساسية تعتمد على تحديد قيمة العقد بناء على مهارات اللاعب، فهناك من يستحق ثمانية ملايين ريال وهناك من لا يستحق أكثر من نصف مليون ريال.

ولفت الغامدي إلى أن اللاعب يخشى من الإصابات التي قد تعجل من اعتزاله، وبالتالي يصاب بقلق على مستقبله والخوف من المجهول إذا لم يؤمن مستقبله الرياضي بمبلغ مالي يجعله يرتاح بعد تركه للملاعب، وهذا القلق من عدم الحصول على المكافآت ونظرته للاعبين سبقوه في الملاعب وهم الآن يعانون من ظروف معيشية صعبة، يجعلانه يفكر كثيراً بنفسه وأولاده وأسرته لكي يضمن لهم حياة كريمة.

وكشف الغامدي أنه سبق أن تقدم باقتراح إلى رئيس لجنة الاحتراف الدكتور صالح بن ناصر منذ عامين عن وضع راتب تقاعدي للاعب إلا أنه لا يعلم ماذا بت في الأمر، وذلك لأن الراتب التقاعدي سيمنح اللاعب راحة وثقة بشأن مستقبله".