لم يكن المؤتمر السنوي العاشر لمؤسسة الفكر العربي "فكر 10" الذي انعقد في دبي الأسبوع الماضي حدثا عاديا، إذ إنه حوّل المكان إلى كتلة تموج بالحركة على مدار ثلاثة أيام مليئة بالحوار الثري الذي يبحث عن رؤية مستقبلية لـ"ما بعد الربيع العربي".
من جماليات المؤتمر الخاصة أني التقيت خلاله بعدد كبير من الأحبة والأصدقاء القادمين من مختلف الدول العربية، وكان للقاءات أسرة "الوطن" طعم خاص، بدءا من رئيس التحرير الأستاذ طلال آل الشيخ وصولا إلى الزميلين محمد الصالحي ومصطفى الفقيه.. والبقية ممن أتوا إلى دبي أثناء فترة المؤتمر الذي لم يكن تقليديا شأن كثير من المؤتمرات، إذ تفوقت فيه الجرأة والصراحة وتسمية الأمور بمسمياتها على المجاملة والتعبيرات غير الدقيقة، مما جعل الفائدة تكون أكثر للحضور، ولعل الحلقات التي سجّلتها قناة "العربية" وسوف تبثها في برنامج "حوار العرب" في الفترة القريبة المقبلة ستقدم صورة حقيقية للمشاهد العربي عما جرى من جلسات عميقة تناقش الغد القريب والغد البعيد في بلدان الربيع العربي وغيرها، وتطرح تساؤلات واضحة عن الأسباب التي قادت شعوب دول "الربيع" إلى الثورة ضد أنظمتها.
جميل من القائمين على المؤتمر أن استقطبوا بعض النخب العربية لاستكشاف السبل نحو التغيير بعد "الربيع العربي"، واستكشاف ما يمكن أن تستوعبه المرحلة المقبلة من تغييرات قد تكون جذرية على مختلف المستويات منعا لعودة شبح مرحلة ما قبل "الربيع العربي". ولم يتجاهل المؤتمر مسألة الزمان والمكان، إذ تم تداول الظروف وما إن كانت مواتية للتغيير، بالإضافة إلى بحث الوضع الداخلي للدول التي شهدت ثورات الشعوب ضد الأنظمة.
ولأن الشباب هم من صنعوا "الربيع" فقد كان لهم حصة كبيرة من المؤتمر سواء بجلسة خاصة لهم، أو بحوارات النخب العربية التي أكدوا فيها أن الشباب هم رواد المرحلة العربية الراهنة وكذلك المقبلة. وركزوا على ضرورة الاهتمام بالشباب، لأنهم القوة الفعلية التي يعتمد عليها في أي وقت من الأوقات وإهمالهم يؤدي إلى خلل في بنية أي دولة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك جوانب كثيرة ألقى "فكر 10" الضوء عليها كالوضع الاقتصادي المتردي والاهتزازات الاجتماعية والبطالة المتزايدة، والتحالف بين الإعلام التقليدي والإعلام الحديث، وهل أثمر عن نقل صورة الواقع من غير تزييف، أم إن الأمر عكس ذلك...
أخيرا، يمكن القول إن المؤتمر كان أنموذجا لما يجب أن تكون عليه المؤتمرات الفكرية الواعية، ومن نقاطه المضيئة أيضا إطلاق التقرير العربي الرابع للتنمية الثقافية، وهو إصدار غني بمعلومات موثقة ناتجة عن جهد عدد كبير من الدارسين والباحثين.. ولنا عودة إليه في مقالات أخرى.