للألحان المغربية الأصيلة وقع السحر على المشرقيين، ربما كانت غرابة اللهجة محببة أكثر لنا كمشرقيين، وربما لأننا نسمع فيها بعضا من عبق الأندلس، وربما هو حنين الجزء إلى جزء منه.
في طفولتي، لا أنسى تلك الحفلة التي كان ينقل لنا التلفزيون السعودي مقتطفات منها، وهي لفنان من المغرب العربي، كان يغني بطريقة لم نعتد على مشاهدتها، به مسحة من جنون الفن، يمسك "المايك" ويتنقل على المسرح بخفة، وقبل ذلك يبدأ الكورال بترديد ترنيمة غريبة متلازمة مع المقدمة الموسيقية "هُم تكي تكا هُم"، لنستمع بعدها مشدوهين لرائعته: "مرسول الحب فين مشيتي وفين غبتي علينا"، التي شدا بها عشرات الفنانين العرب من بعده.
هو ابن مدينة فاس، الفنان والموسيقار عبدالوهاب الدوكالي صاحب الصوت الأطلسي العذب، وهو من أوصل موسيقى المغرب العربي إلى مشرقه.
كثيرا ما سمعنا الحناجر المغربية تشدو باللهجة المصرية، لتصل بسهولة إلى الأذن العربية، لكن الدوكالي ـ رغم احتكاكه بالفنانين المصريين ـ أصر على أن يصل إلى الجمهور العربي بلهجته المغربية الأم، برغم الانقطاع المعرفي بين مشرقنا ومغربنا آنذاك، ولم يكتف بالنجاح على المستوى المحلي، بل تعداه إلى أبعد من ذلك، في الوقت الذي كان العمالقة في أوج عطائهم كمحمد عبدالوهاب، وفريد الأطرش ـ اللذين يرى الدوكالي أنهما قدوتاه في الفن ـ إضافة إلى عبدالحليم حافظ وأم كلثوم، وعلى المستوى المغربي كان عبدالهادي بلخياط نجما فوق العادة.
لم يكن الدوكالي موسيقارا وفنانا عبقريا وحسب، فما لا يعرفه الكثيرون عنه أنه يغني بالألوان أيضا، وسبق أن عرض أعماله الفنية التشكيلية في معرض بالمغرب، مما يعني أنه فنان مؤمن بالفن كله، وتلك سمة الفنان الحقيقي، وما زال الدوكالي يعد جمهوره بأن يعرض كل أعماله.