خمس سنوات منذ يوم الرحيل. وكلما دنت ساعة الذكريات، هرب ليلتقط سراب الذكرى وبقايا الأطلال.
صارت عادة موسمية أن يهرب بنفسه وحيدا ليملأ الأحداق بأشلاء ماضٍ لن يعود. وعلى الأقل، كان يريد أن يبكي وحيدا.... بعيدا... عن عيون ابنتيه وهما أعمق الذكريات وأكثرها حزنا وجرحا على جراح تكبر كلما تباعد الزمن عن موعد الساعة الأخيرة. حتى ابنته الصغرى، أسماها، رحيل، لا لأنها ولدت من ثنايا مخاض الموت، بل لأنها الشاهد الأزلي على انتهاء الرحلة. هذه المرة، يعود في الذكرى الخامسة إلى حضن – أمها – على أطراف تلك القرية الجبلية الموغلة في زمهرير ديسمبر. كل شيء ينضح بالبؤس. ليل القرية الأسود الطويل. بقايا الكانون الذي تشتعل فيه جمرة ترفض أن تنام. وجه عجوز شاحبة تستمطر معه بقايا المآقي وهما يبكيان ذات الرحيل.
تسأله – الجدة عن "رحيل" فلم يكن الجواب إلا أنها بدأت رحلة الأسئلة.
كان كل منهما يعاتب الآخر على البكاء، وكل يدعي أنه صاحب الحق وحده أن يبكي بقايا القصة.
كل منهما يظن أنه صاحب الحق المشروع في – تركة – من المآسي والأحزان.
هي ابنتها الوحيدة مثلما هي حبه الوحيد.
هي أمها مثلما هي أم ذكرى ورحيل.
هي الحب الذي يتعاظم كل ساعة في ما بعد الرحيل ولم يكن بهذه العظمة من قبله. يسألها: هل بقي يا أمي شيء من بقايا لطيفة؟ تأخذه إلى
– ردائم – الريحان الذي بدأ يشيخ ويهرم.
هي من غرسته وهي تحمل – رحيل – في نهاية الشهر السابع. يقسم أن يسقيه بالدموع:
حزينة كلها الليلة "امردايم"
بلا ساقي ولا قاطف وناظم
وريح أحبابنا في الدار حايم
مسافر صاحبي ياغارة الله
وحزينة .....