• هنالك كتب لا يعرف المرء هل يندم على قراءتها أم يبتهج بها، أعني تلك النوعية من الكتب القاسية والمريرة، التي تضعك وجهاً لوجه أمام تخيّل ما يمكن أن تنطوي عليه الحياة من التدمير حين تكشّر الأيام عن أنيابها، على رأس هذه الكتب؛ الروايات التي تتحدث عن السجون وما يدور فيها، مثل روايتي القوقعة والسجينة!.
• أتذكر مشهداً من مشاهد الفظاعة التي نقلها الشاعر السوري فرج بيرقدار في كتابه "خيانات اللغة والصمت" من داخل السجون السورية، فأكاد أفقد عقلي؛ ألهذه الدرجة يمكن أن يكون الإنسان وحشاً وغولاً بشعاً؟! أربعة عشر عاماً من السجن الظالم، من العذاب والتنكيل والموت، عاناها ورآها بعينيه ليلاً نهارا هذا الشاعر في سجن تدمر. يروي كيف أن أحد السجناء أجبره السجان أن يبلع فأراً ميتاً، ويصف كيف توسّل وتألم هذا السجين، الذي يدري أن مصيره التعذيب والسلخ حتى الموت إن هو لم ينفذ، فحاول وحاول أن يبتلع الفأر، وأخيراً يتذكر فرج كيف أن الجزء الأخير من ذيل الفأر بقي متدلياً من فمه، بينما سقط المسكين على ركبتيه مستغيثاً، يطلب الماء!.
• صدقوني لا أحد يقرأ هذا الكتاب ولا يحلم باللحظة التي يزول فيها هذا النظام الفاجر، ومن يقرأ هذا الكتاب سيعرف أن كل ما تنشره وسائل الإعلام عبر العالم مما يتعرض له المتظاهرون السوريون من قبل النظام الوحشي منذ تسعة أشهر حقيقة واقعة، بل إن هذه الأرقام من الشهداء والمعتقلين والقتلى تحت التعذيب هي أضعف التقديرات، سيشعر من يقرأ هذا الكتاب أن الضباع النهمة التي تنهش فرائسها حيّة ليست شيئاً بجوار ما تطفح به زنازين ذلك النظام الهمجي، الذي ما زال يكذب ويراوغ ويلفق ويتحدث عن مؤامرات وعصابات مسلحة هو الذي يديرها!.
• السجين الذي أُجبر على بلع الفأر ما زال حيّاً، كتب عنه أحمد مولود الطيّار، حيث جاءه وأسرّ إليه بأنه هو ذلك السجين الذي كتب عنه فرج بيرقدار. اسمه حسن هويدي، اعتقل في سجن تدمر الصحراوي من عام 1987 وحتى 1992، يقول أحمد الطيّار؛ "وقف شعر رأسي. أنت أكلت الفأر؟! وأنت من يعنيه فرج؟! لماذا، وكيف وو...؟؟ قال لا أدري، الفئران الميتة كثيرة, الكثير من المعتقلين, أجبروا على أكل الفئران الميتة المرمية في مجارير ومستنقات السجن الرهيب، وأخذ يشرح بألمٍ متجذر فيه، كيف أرغموه والكلاشينكوف المصوب على رأسه بعد أن أركعوه أرضا, تلك العملية التي استغرقت دهرا!".