في أحد الأفلام الوثائقية الإنسانية (Super Size Me)، خاطر بطل ومحور الفيلم "مورقان سبورلك – Morgan Spurlock) بحياته وحياة أهله لتوضيح خطر الوجبات السريعة على صحة الإنسان أطفالاً وكباراً على حد سواء. في هذا الفيلم، يقرر مورقان تناول (فقط) الوجبات السريعة لمدة 30 يوماً مستمرة، وفي جميع الوجبات من إفطار وغداء وعشاء وحتى الوجبات الخفيفة بين الوجبات الرئيسية، وكذلك المشروبات والماء، وكلها تكون من منتجات أحد المطاعم الرئيسية.

لمدة 30 يوماً، صباحاً ومساء وكل ساعة، لن يأكل ولن يشرب مورقان إلا من مطعم الوجبات السريعة، فماذا يحصل لمورقان بعد الـ30 يوماً؟ وهل يعيش بعدها أم يموت؟ وهل يصاب بأمراض السمنة والسكر والكولسترول وزيادة الدهون وتليف في الكبد وضعف أو فشل للقلب؟ أم تتحسن صحته أو على أقل تقدير لا تتغير أو تسوء؟ والسؤال الأهم، هل غامر وقامر مورقان بحياته ومستقبله؟ وهل هي مغامرة تستحق كل هذه التضحية؟

قبل تطبيق نظام الغذاء الجديد والمريع، اتفق مورقان مع فريق طبي بفحصه ومتابعته ومراقبته قبل وأثناء وبعد تطبيق النظام الغذائي، حيث تم إجراء فحص طبي شامل مع تحليل مفصل للدم لتحديد مستوى وكفاءة عمل أعضاء ووظائف الجسم من كبد وكلى وقلب وضغط دم ودهون وغيرها، وكانت النتائج قبل بدء النظام الغذائي الجديد جيدة وتعطي مؤشرات إيجابية لحيوية وصحة مورقان العالية.

وبعد اتفاقه مع نفسه وعائلته والفريق الطبي؛ تبدأ المغامرة الخطيرة لمورقان والوجبات السريعة لمدة 30 يوماً، ويستعرض الفيلم مقتطفات من حياة مورقان اليومية، من اليوم رقم 1 ثم 2.. إلى اليوم رقم 5، وقبل نهاية اليوم السابع تبدأ حالة مورقان الصحية والنفسية والسلوكية والجنسية تسوء، وبعد فحص الفريق الطبي له، اتضح انخفاض جذري في وظائف الجسم وخصوصاً وظائف الكبد، مع ارتفاع في البروتين والدهون الثلاثية والكولسترول وغيرها من الوظائف الأساسية للجسم، مما أدى إلى توصية الفريق الطبي بضرورة توقف مورقان عن نظامه الغذائي القاتل. نعم قاتل، حيث أشار أحد الأطباء المشرفين على حالة وصحة مورقان الصحية إلى أن ما حصل لوظائف الكبد يشابه ما يحصل للمرضى المدمنين على تعاطي الكحول، وهو أمر لم يتخيل إمكانية حصوله نتيجة اتباع نظام غذائي معين إلا أنه حصل مع مورقان وأكله للوجبات السريعة. رغم كل هذه المؤشرات الخطيرة لتدهور مورقان إلا أنه أصر على مواصلة نظامه الغذائي السريع، فهل ينجو مورقان بنفسه وبصحته؟

ولتأكيد موثوقية ومحتوى ومصادر وعلمية ومنهجية الفيلم؛ فقد تخلل الفيلم لقاءات ومقاطع مع علماء متخصصين في التغذية وأطباء بمختلف التخصصات، وسياسيين وأصحاب المصالح الخاصة المؤثرين (Lobbyists) في قرارات الدولة الخاصة بتغذية المدارس والمجتمع بشكل عام، وإدارات المدارس، كما تم إجراء لقاءات مع طلاب وطالبات المدارس وعملاء الأكلات السريعة وخصوصاً مدمني الوجبات السريعة، حيث علق الجميع بمدى خطورة استمرار ظاهرة سيطرة نمط وأسلوب الوجبات السريعة على أنظمة تغذية المجتمع، وخصوصاً الأطفال.

في أميركا، تبلغ نسبة السمنة أكثر من 30% بين الشعب الأميركي، وتزيد النسبة بين الأطفال، والسعودية ليست ببعيدة عن هذه النسب، بل إن بعض الإحصائيات تشير إلى انتشار السمنة في أكثر من 40% من الأطفال السعوديين، وكذلك نواجه في السعودية ظاهرة السكري بين الأطفال، حيث وصلت نسبة السكري إلى نسب مخيفة تتعدى حاجز الـ40% وخصوصاً بين الأطفال، كما يعاني الأطفال أيضاً من تسوس الأسنان والتي تصل إلى أكثر من 90%، وغيرها من المشاكل الصحية.

في أميركا، يوضح الفيلم قدرة وسيطرة مؤسسات الضغط والمنتفعين على السياسات العامة للدولة ومنها سياسة وتنظيم وتشريع التغذية، حيث أشار عدد من المسؤولين والأطباء وأخصائيي التغذية والتربية البدنية ومديرات المدارس إلى قلة حيلهم وعجزهم عن تغيير أنظمة وسياسات التغذية في الدولة، نتيجة لسيطرة أصحاب الأعمال والمصالح على متخذي القرارات، رغم تزايد الأمراض والمشاكل الصحية من سمنة وسكري وضغط وكولسترول وغيرها من الأمراض القاتلة بطريقة أو بأخرى. بالنسبة لأميركا، ما زالت المحاولات جارية لسن القوانين والنظم ونشر ثقافة الأكل الصحي والرياضة اليومية وتغيير مبدأ رعاية المرضى إلى مبدأ الرعاية الصحية الحقيقية من خلال العناية بنوعية وكمية الغذاء والشراب الذي نتناوله، وممارسة الرياضة اليومية، وتقليل أو حتى وقف المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة، وفي هذه السنة تبنى الرئيس الأميركي أوباما حملة استثنائية في هذا الاتجاه، وتبذل زوجة الرئيس الأميركي ميشيل جهودا مميزة في تحفيز الأسر الأميركية في تغيير ثقافتها وحسها الغذائي والرياضي.

في المملكة، ومع ما نعانيه من مشاكل وأمراض صحية بين جميع طبقات المجتمع، أطفالاً وكباراً، نساءً ورجالاً، ومع انتشار مطاعم الوجبات السريعة ومحلات البيتزا ومطاعم الشورما والمطاعم الشعبية والمقاصف في المدارس الحكومية والأهلية، ومع ضعف التنظيم والرقابة الصحية وتشتتها بين البلديات وهيئة الغذاء والدواء ووزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم، ومع قلة وعي المجتمع وضعف إدراكه لخطورة إدمان الوجبات السريعة وعدم ممارسة الرياضة على صحتهم وصحة أطفالهم، ينتج عن ذلك أمراض أقلها السمنة والسكري وتزايد الدهون والكولسترول وتسوس الأسنان.

للتعامل مع هذه القضية المصيرية والمقلقة لمجتمعنا ووطننا، فإننا نتمنى أن تقوم جميع الأطراف التالية بواجباتها، وهي:

1. مجلس الشورى: يمكن أن يقوم بتبني مشروع وطني للرعاية الصحية الشاملة، على أن يتم التركيز على الوقاية، وتحديداً الأكل الصحي والتربية البدنية، فبدونها تخسر الدول عشرات المليارات لمعالجة النتائج السلبية جراء غياب الرعاية الصحية الحقيقية – الوقاية وليس العلاج.

2. وزارة التربية والتعليم: وضع أنظمة صحية أكثر حزماً في جميع المدارس الحكومية والأهلية للتأكد من توفير فقط الوجبات الصحية، إضافة إلى إدخال مادة التربية البدنية في جميع المدارس وبشكل يومي، للبنات والأولاد على حد سواء.

3. هيئة الغذاء والدواء: نتطلع وما زلنا لقيام الهيئة بواجباتها وسن القوانين والأنظمة التي تحمي المجتمع من الأغذية المضرة.

4. وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية ومستشفيات الدفاع والحرس والداخلية والمستشفيات الخاصة والتخصصية: نتمنى أن نرى تغيراً وعودة إلى تبني مفهوم الرعاية الصحية وليس رعاية المرضى، فيمكن لنا إنقاذ الكثير قبل مرضهم وتوفير الكثير قبل هدره على علاج أمراض كان يمكن تفاديها، كل هذا باتباع مفهوم الرعاية الصحية وليس كما هو حاصل حالياً.

5. المجتمع: لكل أب وأم، إذا أردنا أن نعيش بصحة وعافية بتوفيق الله، فينبغي تغيير العادات الغذائية من أكل الوجبات السريعة إلى الأكل الصحي، ومن الكسل والخمول إلى ممارسة الرياضة اليومية حتى في البيت، وهذا ليس خياراً للعائلات، إنما واجب إنقاذي.