تحدثت في مقالي السابق عن المتغيرات الداخلية والخارجية التي يمر بها الاقتصاد السعودي. فمن ناحية نجد أن متطلبات الإنفاق الحكومي الضروري، مثل توفير المياه والكهرباء والدفاع والصحة، في ازدياد مطرد يفوق الزيادة الحاصلة في معدل نمو السكان، وكذلك الإنفاق الحكومي التوسعي في مجالات البنية التحتية والبرامج الاجتماعية والخدمة المدنية، التي تزداد بمعدل أعلى، جعلت متوسط الزيادة في إجمالي الإنفاق الحكومي يفوق 30% عاما بعد عام.

مشكلة الإنفاق الإضافي أنها ستزيد من الضغوط على توفير الموارد المالية والبشرية وجودة الإنفاق الضروري، فهي بحد ذاتها تشكل تحديا كبيرا. فالمملكة بحاجة إلى استثمارات تقارب ترليوني ريال في العقدين المقبلين لتلبية احتياجات السكان من المياه والكهرباء. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإنفاق الإضافي، وخصوصا الدعم المقدم للمحروقات النفطية، تخلق طلبا إضافيا فوق نقطة توازن العرض والطلب، وتكلف الدولة الكثير من المال.

فهي بالتزامها بتوفير أسعار هذه المنتجات بأسعار تفضيلية تضطر تحمل تكاليف استخراج وتكرير وتوزيع هذه المنتجات بعائد لا يغطي جزءا يسيرا من إجمالي التكاليف، وذلك عدا فرق سعر البيع الذي كان بالإمكان تحقيقه لو تم بيعه في الأسواق العالمية. كما أن استخدام النفط لإنتاج الكهرباء يعد هدرا لمواردنا النفطية لتكلفته العالية. فاستهلاك السعودية من الكهرباء يفوق 170 مليون ميجا واط سنويا، وينمو بمعدل سنوي يصل إلى 6%، الذي يفوق معدل النمو السكاني الذي يقل قليلا عن 3%. وتساوي تكلفة الإنتاج المباشرة لهذه الكمية من الكهرباء باستخدام النفط 64 مليار ريال، وذلك بغض النظر عن تكاليف الهدر الكهربائي والتكاليف البيئية.

لقد أصبح خلق مصادر جديدة للطاقة ضرورة ملحة في ظل المتغيرات الاقتصادية الحالية. وبذلك تكون الطاقة النووية الخيار الأمثل في الوقت الحالي، لأن تكلفة إنتاج ميجا واط واحد تساوي 150 ريالا مقارنة بنحو 380 ريالا في حال استخدام النفط. كما أن اعتماد الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء سيخفض من الاستهلاك الداخلي للنفط الذي وصل إلى أكثر من مليوني برميل يوميا. فكل دول العالم تعتمد على مصادر متعددة لإنتاج الطاقة الكهربائية من غاز وفحم ونووية ومائية وحتى متجددة.

إن كانت الطاقة النووية تمثل حلا في الوقت الراهن، فإن التوقف عندها خطأ استراتيجي، وخصوصا مع توافر الموارد المالية لدى الاقتصاد السعودي. فعلى الرغم من إيجابيات الطاقة النووية، إلا أنها لا تدخل ضمن الطاقات المتجددة النظيفة بيئيا. ولذلك فإن سياسة السعودية للطاقة يجب أن تعتمد الطاقة النووية، جنبا إلى جنب مع الاستثمار الكثيف في الطاقات المتجددة. وتعمل مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة على تشكيل هذه المحفظة التي تضمن للسعودية ريادتها في مجال صناعة الطاقة.