لماذا لا تهدأ حناجر نسائنا من الأنين، الذي وصل حد العويل، في بعض الأحيان، بسبب ما نحشده أمامهن من العقبات ومن العوائق التي تعيق اندماجهن الطبيعي مع المجتمع، مثل غيرهن من نساء مجتمعات الكرة الأرضية بلا استثناء، بالرغم من أن أحدا لا يشكك في حرص الحكومة على دمجهن في المجتمع، حيث سهلت لهن طرق ووسائل التعليم العام والعالي في الداخل والخارج، في شتى التخصصات، وقدمت لهن البرامج تلو البرامج، والحوافز تلو الحوافز، لتسهيل انخراطهن في العمل العام والخاص، ولكن المسألة بالنسبة لهن لا تعدو تقدم خطوة للأمام في مجال اندماجهن في أنشطة وحراك المجتمع التنموية؛ ثم النكوص بهن خطوتين للوراء وهكذا.
ولكن بما أن العوائق التي تواجههن، وتعيق خطط الحكومة التنموية في مجال بناء الإنسان، لاندماجهن في أنشطة وحراك المجتمع تصدر من أكثر من وزارة ومؤسسة رسمية، وغير رسمية كذلك؛ ومن يديرها هم من عدة اتجاهات وتوجهات؛ إذاً فالمشكلة أعمق وأعقد من كونها مشكلة توجه أيديولوجي لفئة معينة تتصارع مع فئة أيديولوجية مضادة، كما يبدو ظاهراً على السطح. وكذلك إذا كانت المشكلة صادرة من أكثر من جهة تنفيذية ولم تصدر من الجهة التشريعية، والجهات الرقابية الحكومية كذلك لا تتدخل بما يكفي، لتفرض القرارات العليا، على الجهات المنفذة؛ إذاً، فالمشكلة أكبر من كونها كذلك إجرائية وإدارية، أو حتى روتينا مملا وبيروقراطية مزعجة، أو حتى رقابية متخاذلة، كما يبدو على السطح كذلك. إذاً إذا كانت المشكلة التي تواجه النساء وتقف عائقاً مستديماً أمام اندماجهن في مجتمعهن لا تبدو بالتحديد لا مشكلة صراع أيديولوجي ظاهر ولا خللا بيروقراطيا ملموسا؛ فأين المشكلة الحقيقية؟ لنصل إلى المشكلة الحقيقية يجب أن نرى حجم المشكلة أولاً ثم نبحث عنها في الزوايا الخفية، التي تنتج هذه المشكلة وتستمر في إعادة إنتاجها.
وخير من يعبر عن المشكلة هن من وقعن ضحية للمشكلة وهن النساء، حيث عبرن عن معاناتهن من العوائق التي توضع أمام تحركهن نحو الاندماج في المجتمع وحددن مصادرها. وبحسب ما نشرت صحيفة الحياة في تاريخ 30/11/2011م، التالي: "شكت 30 من سيدات الأعمال والأكاديميات من أن أربع وزارات هي التجارة والصناعة والعدل والشؤون البلدية والعمل وجهات تمويلية لا توفر الأرضية المناسبة لعمل المرأة، وتمارس التفرقة بينها وبين الرجل.." والسؤال هنا؛ هل الأرقام الرسمية المتوفرة لدينا تؤيد تذمرهن من وضعهن الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، وتؤيد وجود عوائق أمامهن تحول، ليس دون اندماجهن في مجتمعهن الذي أنجبنه كله للمشاركة في تنميته الوطنية، أم كذلك تساهم هذه العوائق في قطع أرزاقهن أيضاً؟ أم هن كما يحبذ البعض بوصفهن تغريبيات وزائرات للسفارات الخارجية، وذوات أجندات خارجية مشبوهة؟
نقلت صحيفة اليوم في تاريخ 30/11/2011، عن خبراء اقتصاديين التالي "أشار خبراء متخصصون إلى أنّ ما تمتلكه السعوديات كسيولة نقدية يبلغ 12 بليون دولار..". كما ورد في إحصائيات مؤسسة النقد العربية السعودية أن إجمالي الودائع في البنوك السعودية هو حوالي 262 مليار دولار. أي أن نسبة ما تمتلكه النساء واللواتي يمثلن نسبة 50% من المجتمع، يساوي فقط ما نسبته حوالي 4.50% أي أقل من نسبة 5%. أي يستحوذ الذكور في المجتمع السعودي على ما نسبته حوالي أكثر من 95%، من ودائع البنوك والباقي للنصف الآخر من المجتمع وهن النساء. كما أن ودائع العمالة الأجنبية التي يحولونها مباشرة لبلدانهم؛ برغم عائق الكفيل وشروط العمل الصارمة ضدهم، تساوي سنوياً أكثر من 29 مليار دولار، أي ما نسبته حوالي أكثر من 9%، من الودائع البنكية في السعودية؛ أي بزيادة ما نسبته حوالي 50% من نسبة ودائع الـ 50% من المجتمع السعودي وهن النساء. كما أوردت صحيفة الرياض بتاريخ 29 ربيع الأول تقريرا يذكر أن نسبة الأمية لدى العمالة الأجنبية تتخطى 85% منهم؛ والبطالة القسرية بين النساء الجامعيات السعوديات تشكل ما نسبته 76%، ناهيك عن حاملات الدبلوم والثانوية.
وليتضح حجم كارثة الإجحاف الشنيعة قي حق نصف المجتمع السعودي النسائي اقتصادياً أكثر، نقارنه بأرقام مثيلة بدول مجاورة وأخرى بعيدة. تكمل صحيفة اليوم في تقريرها السابق مقارنة ودائع السعوديات بغيرهن فتذكر "وفي المقابل فإن الثروات الشخصية للسيدات في الخليج العربي والشرق الأوسط قدرت بـ 40 بليون دولار، إضافة إلى قرار المرأة في استثمارات بحجم يدور في فلك الـ 500 بليون دولار..". كما أوردت صحيفة اليوم، في نفس التاريخ، إحصائيات عالمية عن حجم الودائع النسائية في البنوك ".. وأن السيدات يتحكمن تقريبًا في أكثر من 50 بالمئة من إجمالي الثروات في: ( فنلندا، هولندا، الدنمارك، فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة) وفي الولايات المتحدة الأميركية مليون و200 ألف سيدة يتحكمن في 43 % من إجمالي الثروات وهو ما يعادل 4.6، تريليونات دولار، بينما الرجال 57 % من الثروات". وعلى المستوى العالمي بشكل عام، بدوله الفقيرة والغنية منها، أوردت الصحيفة "يقدر حجم الاستثمارات التي تديرها النساء حول العالم بقيمة 20 تريليون دولار، أي 9 % من أرصدة المليارات تملكها نساء، وتوقعات بارتفاع النسبة خلال الـ 8 سنوات المتبقية من العقد الحالي".
كل هذا رغم أن المملكة، كما تشير التقارير الاقتصادية والمالية العالمية، مرشحة لاحتلال ثالث أكبر احتياطي نقدي في العالم، باحتياط نقدي قدره أكثر من 1.7 تريليون، وأن أرباح البنوك السعودية في عشرة أشهر مثلت حوالي 26.3 مليارا؛ كما أوردت صحيفة شمس في تاريخ 30/11/2011. هذه الأرقام التقريبية، التي توضح مدى كارثية المشكلة التي تتعرض لها سيدات الأعمال بشكل خاص، وسيدات المجتمع بشكل أعم وأوسع؛ ومدى مصداقية ما يتحدثن عنه من عقبات توضع أمامهن، ليس فقط تمنع من اندماجهن في المجتمع، الذي يمثلن نصفه وأنجبنه كله؛ ولكن كذلك تقطع أرزاقهن، وتجعلهن دوماً ذليلات ومنكسرات وبحاجة لا تنقطع لغيرهن. وبرغم كل العقبات التي توضع أمامهن، يأتي من يتهم من يتحدث منهن عن معاناتهن؛ بالتغريب وزيارة السفارات وزرع الأجندات الخاصة، ومحاولة الإفساد والتفسيد. أي لا يكفيهم قمعهن وكسرهن مادياً حتى العظم، لحد التسول والاستجداء؛ ولكن أيضاً زيادة على الإجحاف المادي بحقهن، يلحقهن ظلم وإجحاف معنوي، يُشكك في نزاهتهن ووطنيتهن، وكل من يطالب برفع الظلم عنهن والإجحاف الواضح والجلي بحقهن.
فمن يقرأ الأرقام أعلاه ولا يفهمها، فليبحث له عن عقل إنسان، ومن يقرأ الأرقام والإحصائيات أعلاه، ويفهمها، ولا يتعاطف معهن فليبحث له عن قلب إنسان. ومن يقرأ الأرقام أعلاه ويفهمها ولا يستوعب كارثيتها على كل اقتصاد الوطن وتنمية إنسانه رجلا كان أم امرأة، وبقدرته أن يتدخل لتصحيح خلالها، فليبحث له عن عقل وقلب إنسان. فالحكومة وفرت كل البرامج والمحفزات لجعل المرأة مشاركا رئيسا وأساسيا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ فما عذر الجهات التنفيذية والرقابية بألا ينزلوها على أرض واقعنا الوطني المعاش، كما شرع المشرع بأن تكون؟!.. أين الخلل؟ موضوع مقال لاحق "منا المال ومنهن الرجال".