بعد سنين من حياتي قضيتها في الغضب، ومحاولة التغيير. وصلت
لنتيجة مهمة غيرت مجرى حياتي، وهي أنني كإنسان عربي مسكين،
وبكل ما تعنيه هذه الكلمة. وهذه النتيجة جعلتني أكثر هدوءاً
وسكينة.
وهذا ما حاولت إقناع زميل لي به. فبينما نحن نناقش أمرا يخص
العمل، استقبل جواله رسالة دعاية من شركة لا يعرف عنها شيئا،
ولم يلجأ لخدماتها. فأبدى نوعاً من التذمر، وتذكر فترة إقامته في
أميركا، وأن سلوكاً مثل هذا قد يخرب بيت الشركة المعلنة، وشركة
الهاتف النقال.
لكن لأهون عليه؛ أخبرته أنه نظرا لقدم جوالي فإنني أستقبل في
المتوسط ثلاثين رسالة شهريا، كلها تحمل دعاية لخدمات سخيفة، لا
تعنيني بأي شكل، أستقبل هذه الرسائل بهدوء وأنا مستسلمة تماما؛
ليس لأنني صبورة، بل لأنه لا حيلة لي، فأنا أعرف أن الشركة التي
باعت لي رقم جوالي، قامت مرة أخرى ببيع قوائم أرقامنا للشركات
المعلنة، دون حياء وبقلب مطمئن. لأن مديريها التنفيذين وببساطة
شديدة ، متأكدون بأنه لا سبيل لنا لمقاضاتهم. فمن منا لديه الوقت
والجهد ليتابع المحاكم بقضية رسائل مزعجة. ثم حتى لو فكرت
بتغيير شركة الاتصالات هذه ، فليس لي سوى أختها، التي تتبع نفس
الممارسات. لذا فإني في كل مرة أستقبل فيها رسالة تقتحم جوالي
الخاص، أقوم بتخزينها كشاهد على "الغلب" الذي أعيشه.
و"غلب" الرسائل وإزعاجها هو "غلب" المرفهين، ففي العالم العربي
نرى ما تعوذ منه الرسول عليه السلام (غلبة الدين وقهر الرجال )
عياناً بياناً. ففي قصة لأرملة مسكينة، تعمل في مدرسة كخادمة
ولديها ابن صغير، يرفض الذهاب للمدرسة بسبب اسمه الذي يثير
سخرية الطلاب. قررت هذه السيدة أن تراجع الدائرة الحكومية المعنية
بأسماء الناس والتي تبعد عنها 75 كيلو مترا، وقد وجب عليها أن
تدفع مائة ريال أجرة سيارة لتصل لتلك الدائرة؛ ظلت هذه السيدة
تتابع معاملتها التي استمرت لمدة سنتين. وفي كل مرة كان الموظف
المسؤول يخبرها بأن الكمبيوتر "عطلان"، أو أن الموظف المسؤول لم
يحضر. كانت عباراته تخرج من فمه بكل بساطة، لتنزل على رأس
هذه المسكينة كالحجرة، فاستئذان من مدرسة خاصة، لمدة يوم
وإنفاق مائة ريال للمشوار ليس بالأمر الهين. فكانت تقضي وقت
العودة في حساب خساراتها وخسارة عمر ابنها الذي يقبع في المنزل
وهي تكاد تنفجر من الغيظ. ثم تقص عليّ "غلبها" مهددة ومتوعدة
بالشكوى منهم، وإخبارالإعلام الذي سيقوم بفضح استهتارهم.
فهي غيض من فيض من مظالم لا حصر لها، والجرائد مليئة بقضايا
يشيب لها الرأس. لذا أنصح أمثالي بالصبر وبتعلم مهارة ابتلاع البؤس
وأن يعيش بنظرية لا أرى لا أسمع لا أتكلم ولا أشعر أيضا.