لم تعد وحدها نتائج الحملة العسكرية الدولية ضد كتائب معمر القذافي مدار التساؤلات في الأوساط الثقافية والشعبية العربية، بل إن تحليل هذه النتائج والتداعيات تلاشى كثيرا أمام التساؤلات والنقاشات المستمرة، خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية، لصالح الجدل حول مغزى تسمية هذه الحملة العسكرية بـ"فجر أوديسا". فالبعض نسب التسمية للملحمة التاريخية الشهيرة "الأوديسا"، وآخرون ربطوها بمدينة يونانية تحمل ذات الاسم، لكن الأطرف أن هناك من وصل به الأمر إلى ربط الاسم بممرضة القذافي الأوكرانية الشهيرة على الرغم من أن اسم الممرضة هو "جالينا كولوتنيتسكا".. فكيف رُبط الاسم بها؟
المحير في الأمر أن واضع الاسم لم يفسره بأي شكل، ولكن يبدو أنه صاحب حس أدبي ممزوج برؤية أيديولوجية معينة، فالأقرب حسب اتفاق الكثير ممن ناقشوا هذا الاسم أنه نسبة إلى ملحمة "الأوديسا" الشهيرة. تسمية الضربة بـ "أوديسا" أحيا التساؤل عن لماذا يحرص القادة العسكريون الغربيون على توظيف التراث الفكري حتى الأسطوري منه في حروبهم الحالية؟
بعض المراقبين يعتقدون أن هذا جزء من الاعتزاز بالقيم الثقافية التي يؤمنون بها، وآخرون يرجعونها إلى أن القائد العسكري الغربي عادة ما يكون صاحب اطلاع وثقافة عميقة في جميع المجالات ومنها الأدب والتاريخ، وهما من المقومات المعنوية التي يعتمدون عليها في بناء شخصية الجندي المقاتل، ففي مقابل القيم الدينية كالشهادة في سبيل الله التي تعزز في الجندي المسلم، يلجأ القادة الغربيون إلى التاريخ وقيم إنسانية كنشر العدالة والحرية، وربما مجاراة البطولات الخارقة للأبطال الأسطوريين، لشحن همم الجندي المقاتل.
ويظهر منطق علمي آخر يربط الأمر بالترجمة، يقول "إن الترجمة الأقرب لاسم العملية العسكرية على ليبيا هو "فجر رحلة نحو المجهول" أو "فجر المغامرة".
ويبرر أصحاب هذا الطرح بأن القادة العسكريين الذين وضعوا الاسم يدركون أن هذه العملية مجهولة النتائج وأنها أقرب للمغامرة.
ولكن في الوقت نفسه لا يمكن استبعاد البعد الأيديولوجي الديني، فمن الطروحات التي ناقشها البعض في موضوع "فجر أوديسا"، أن تلك التسمية تعود لنبوءة توراتية تتعلق بآخر الزمان، تقول إنه سيتكرر مشهد حرب طروادة وقصتها مرة أخرى، والنبوءة تقول "إننا سنذهب إلى قرطاج مرة أخرى"، وسيكون الدخول إليها تماما كما حصل المرة الأولى في قصة طروادة والحصان الذي يحمل جنودا بداخله لفك الحصن".
كذلك لا يمكن استبعاد الرسالة الأيديولوجية (الدينية)، فالذاكرة العربية تستحضر الهجوم الإسرائيلي على لبنان في أبريل عام 1996 حين حمل اسم "عناقيد الغضب" ولفظة "الغضب" موجودة في إحدى نسخ التوراة وفي سفر "أشعياء حيث يرد زمن الغضب سابقا لزمن النعمة النهائية، هلم يا شعبي، ادخل مخدعك وأغلق أبوابك عليك، توارى قليلاً إلى أن يجوز السخط".
و"عناقيد الغضب" رواية للروائي الأميركي "جون شتاينبك" التي صور فيها معاناة الجوع والفقر الذي عانته أسر أميركية مهاجرة بسبب الكساد الاقتصادي عام 1929، ومن خلالها يقدم الكاتب نقداً حاداً للمجتمع الأميركي والتناقض بين الأفكار التي قام عليها مثل العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وبين الواقع الأليم لأسرة بسيطة تعاني من أجل الوصول إلى الحد الأدنى من سبل المعيشة، فقط بيت وعائلة ووظيفة آمنة، وبالتالي: كيف يتحول الجوع إلى قذيفة تبيد البشر.
الأوديسا
كلمة يونانية الأصل ترجمها الكثير من المترجمين العرب بـ "الرجل الغاضب". لكن"الأوديسا"الأدبية ملحمة شعرية وضعها هوميروس في القرن الـ 8 قبل الميلاد. وتروي قصة عودة أحد أبطال الإلياذة وهو "أوليس" ملك "إيثاكا" صاحب فكرة "حصان طروادة". وتبدأ الملحمة بنهاية حصار طروادة وبدء عودة المحاربين إلى بيوتهم، لكن بسبب غضب "إله البحر" الذي سمي في الملحمة الشعرية "بوصيدون" على "أوليس"، يواجه "أوليس" الكثير من المشكلات في رحلته، وطوال هذه الفترة تبقى زوجته "بينلوب" بانتظاره، ممتنعة عن الزواج. وتنتهي الملحمة بوصوله إلى "إيثاكا" وقيامه بالانتقام من الذين اضطهدوا زوجته بتلك الفترة.