منح تخوف دول العالم من تداعيات انفجار المفاعلات النووية بمنطقة "فوكوشيما" اليابانية الذي تسبب في تطاير مواد مشعة إلى الوسط المحيط والغلاف الجوي الياباني، الفرصة لمواقع إلكترونية ومنتديات إنترنتية لترويج الشائعات بشكل موسع في كل وسائل التقنية الحديثة، واصفين تأثيرها بأنه قد يطال مختلف دول العالم من بينها المملكة.

وفند مختص سعودي في شؤون الوقاية من الإشعاع كل المخاوف في المملكة، مشيراً إلى أن الموقع الجغرافي للمملكة يبعد عن موقع مفاعلات منطقة فوكوشيما حوالي 8 آلاف كلم، وأن الغبار كلما ابتعد عن منطقة الحادث بدأ بالترسب وقلت خطورته تدريجياً.

وأبلغ "الوطن" رئيس اللجنة الدائمة لشؤون الوقاية من الإشعاع الأستاذ المشارك بقسم الهندسة النووية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة عبدالرحيم كنسارة، أن المملكة تتابع مع سائر دول العالم حوادث المفاعلات اليابانية، كما تقوم وكالة الطاقة اليابانية حالياً بقياس مستوى النشاط الإشعاعي بالقرب من بيئة منطقة الحادث والمناطق المحيطة لتقييم الوضع، وبمساعدة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومحاولة السيطرة على الوضع، مشيراً إلى أن الاهتمام الأساسي في الوقت الراهن بمراقبة المواد الغذائية المستوردة بجميع أنواعها المختلفة من الخارج التي ترد إلى المملكة من كافة النوافذ الجوية والبحرية والبرية، وبالأخص التي ترد من اليابان و الدول المجاورة لها.

المستوى الخامس

وبين كنسارة أن خطورة الحادث تكمن على المناطق المجاورة اعتماداً على الظروف الجوية المصاحبة، كما ازدادت الخطورة في الآونة الأخيرة نظراً لارتفاع مستوى الخلفية الإشعاعية إلى مستويات عالية، خاصة أن وكالة الأمان النووي اليابانية قد وصفت مستوى خطورة الحادث بالمستوى الخامس، طبقاً للمقياس الدولي الذي وضعته الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهو مقياس يتكون من سبعة مستويات، يفيد الأول بأن الحادث عبارة عن وجود مستويات إشعاعية تزيد عن الحدود الطبيعية، والسابع بأن هناك تدميرا هائلا ومروعا للإنسان والبيئة في منطقة الحادث، وكل درجة زيادة في المستوى على هذا المقياس معناها زيادة 10 مرات في المخاطر عن المستوى الذي يسبقه.

تداعيات الانفجار

من جهته، أوضح عضو هيئة التدريس في كلية الهندسة عضو اللجنة الدائمة للوقاية من الإشعاع بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة السعيد شبانة أنه سيعقب حادث انفجار المفاعلات النووية تداعيات خطيرة على البيئة من تلوث إشعاعي للأفراد والحيوانات والمياه والتربة والنباتات والخضروات والمواد الغذائية والبيئة البحرية، إذا ما تم اتخاذ إجراءات وتدابير لازمة للسيطرة على تبعاته، لافتاً إلى أن مقدار الجرعة للأشخاص المسموح بها هي 1 ميللي سيفرت في السنة من غير الجرعات الناتجة عن التشخيص والعلاج الطبي. حيث إن الجرعة الناتجة عن تصوير الصدر باستخدام التصوير المقطعي (CT) تصل إلى 6 ميللى سيفرت و الجرعة الناتجة من تصوير الصدر بالأشعة التقليدية


 




تقدر بحوالي 1/ 20 ميللى سيفرت (50 ميكروسيفرت) وحسب آخر التقارير التي تفيد أنه على بعد 500 م من المفاعل رقم 3 وصل مستوى الإشعاع صباح يوم الاثنين 16 ربيع الآخر الحالي إلى مستوى يتراوح ما بين 3 ميللي سيفرت / ساعة إلى 3.52 ميللي سيفرت / ساعة، وذلك يعتمد على سرعة الرياح و اتجاهها أيضاً، وأشارت التقارير الواردة بأن مستوى اليود في المياه وصل إلى 965 بيكريل/ لتر علما بأن الحدود المسموح بها في اليابان هي 300 بيكريل/لتر، مضيفاً أنه يمكن للمهتمين بأمر القراءات لمستوى الإشعاع العودة لموقع وزارة العلوم اليابانية بصفة مستمرة.

السحابة الذرية

وأشار شبانة إلى أن الدراسات السابقة لحوادث نووية مشابهة تبين حقيقة توقع تطاير كميات كبيرة من المواد المشعة إلى الغلاف الجوي على اختلاف أنواعها وتركيزاتها وحالتها الكيميائية، فمنها ما هو طويل العمر إذ أن فترة عمر نصف النويدات المشعة يمتد إلى عشرات السنين وأكثر، ومنها ما هو قصير العمر ويتراوح من دقائق إلى أيام، و بعضها يتطاير بسرعة إلى الغلاف الجوي.

وتحتوي الإطلاقات المشعة الناتجة من أي حادث نووي على عناصر مشعة بتركيزات عالية وأهم تلك العناصر التي تتطاير إلى الغلاف الجوي (اليود المشع – 131، السيزيوم المشع -137، الاسترنشيوم المشع -90 ) وعناصر أخرى كثيرة، وتنتشر ما تسمى بالسحابة الذرية المحملة بتلك العناصر وتنقلها التغيرات و العوامل الجوية المصاحبة والرياح والأمطار إلى مناطق أخرى ودول أخرى بعيدة عن مصدر الحادث، وهنا مكمن الخطورة حيث يتساقط الغبار الذري على المناطق جميعها سكنية وصناعية وزراعية وصحراوية وبحار وأنهار ومحيطات دون تفريق.

درجات متفاوتة

إلى ذلك، أكد عضو اللجنة الدائمة للوقاية من الإشعاع بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور محمد ناصف أن المواد المشعة تسلك مساراً إلى المحيط الحيوي وتمر خلال دورة مغلقة عناصرها "الإنسان والتربة والحيوان والطير والنباتات والخضروات والفواكه والأسماك و المياه السطحية والجوفية والبحار"، وجميع مسارات تلك النويدات المشعة ليست بالضرورة واحدة بل تسلك أنماطاً مختلفة وبدرجات متفاوتة، مستشهداً باليود المشع والذي يعد أحد أنواع المواد المشعة المنطلقة في السحابة الذرية، وهو قصير العمر يمتص في الجسم البشري ويتركز في الغدة الدرقية، ولمنع امتصاص العنصر المشع داخل الغدة يتناول الشخص اليود المستقر على هيئة أقراص "يوديد البوتاسيوم" وبجرعات محددة وفي الفترات الزمنية الأولى للحادث لتقليل امتصاص الغدة لليود المشع. مضيفاً "ليكون العلاج فعالاً في أغلب الأحيان يكون لكل نوع من العناصر المشعة العلاج الملائم الذي يخفف من عواقبه كذلك الحال بالنسبة للسيزيوم المشع".

مضاعفات الإصابة

وأشار عضو اللجنة الدائمة للوقاية من الإشعاع رئيس قسم الهندسة النووية بجامعة الملك عبدالعزيز سابقاً محمد بن صبيان الجهني إلى أن الضرر الناتج عن التلوث الإشعاعي يتوقف على درجة التعرض أو مستوى الجرعة الإشعاعية التي تعرض لها الكائن الحي في وحدة الزمن والمدة التي تعرض خلالها، فهناك تعرض حاد حيث يتعرض الكائن الحي لجرعة كبيرة في زمن قصير، وتكون أضراره فورية أو خلال ثلاثة الشهور الأولى، وهناك تعرض مزمن حيث يتعرض الكائن الحي لجرعة منخفضة ولكن لمدة طويلة وتكون أضراره لاحقة على المدى البعيد وكلاهما له أضراره المختلفة.

وزاد الجهني "بالنسبة للنبات يحمر لونه أو يتحول للون البني ولا ينمو ولا يثمر"، فيما تتلخص أضرار التعرض المزمن في ظهور حالات سرطانية بين المتعرضين تزيد عن المعدل الطبيعي بين الجمهور، وتبدأ هذه الحالات في الظهور بعد 10 سنوات من بداية التعرض المزمن تقريباً.