بعد انكشاف إعلام "هز الوسط" وتلاشي حضوره الجماهيري نتيجة لتنامي الوعي الاجتماعي، بدأت البرامج الجادة التي تلامس هموم أكبر شريحة من المواطنين تفرض نفسها بقوة وتحقق نسب مشاهدة عالية،وبالطبع هذه البرامج متعددة ومختلفة المستويات المهنية. ولكن يمكن الإشارة هنا إلى أحد هذه البرامج الذي أرى أنه يعمل بمهنية جيدة سواء من جانب توثيق المعلومة والجرأة في طرحها أو في البحث عن الحالات الإنسانية المثيرة للتساؤلات والجاذبة للتفاعل. وأقصد هنا برنامج "ياهلا" الذي تبثه قناة "روتانا خليجية" ، ففي اعتقادي أن هذا البرنامج أسهم بشكل كبير في فرض اسم "روتانا" على أجهزة استقبال معظم مواطني المملكة، بعد أن كان المشهور عن شبكة "روتانا" بشكل عام، أنها قناة طرب وفن فقط، ولذلك لم تكن تحظى بقبول لدى الكثير من فئات المجتمع السعودي الذي يميل بطبعه إلى المحافظة.
فمشكلة بعض البرامج العربية والمحلية التي تتناول هموم وقضايا عامة الناس أنها قد تقدم بلغة مراوغة وغير دقيقة أو أن تحاول محاباة طرف دون طرف، والأسوأ تلك التي يحاول معدوها ومقدموها استثارة العواطف وجلب التصفيق بالهجوم اللفظي الجارح على المسؤولين دون وجه حق، وكأن الأمر تصفية حسابات مما يفقدها الكثير من المصداقية والموضوعية والمهنية. لكن الحلقات التي شاهدتها من "ياهلا" تميزت بمحاولة التوفيق بين الشفافية والنقد المباشر واحترام الطرف الآخر.
وربما تكون مثل هذه البرامج الرد المناسب على موضة برامج الاستخفاف بالعقول والقيم كما يحدث في "ستار أكاديمي" الذي بدأ يفقد نسبة عالية من مشاهديه بعد أن مل الجميع ـ حتى من كان يتابعه بشغف ـ من ثقافة العري الفكري والجسدي التي تمارس على مرأى ومسمع من الصغير قبل الكبير.
المهم هنا أن يحذر القائمون على البرامج التلفزيونية الموجهة لقضايا المجتمع ـ أمثال علي العلياني ـ من لوثة الشهرة والنجومية التي قد تتلبسهم وهم يسمعون ويتابعون عبارات الإطراء والتشجيع التي تنهال عليهم من المشاهدين والمستمعين، فيشعرون أنهم أصحاب العصي السحرية، وبالتالي تتحول الصغائر إلى أكبر الكبائر على أيديهم، كما فعل أصحابهم في برامج "الملاكمات السياسية" التي أصبح لها أكثر من "فيصل قاسم".