مفهوم إدارة المشاريع يهدف في الأساس إلى: تقليل التكلفة، وزيادة الجودة، واختصار الوقت. وهذا المفهوم نشأ في أوروبا نتيجة للمشاريع التي تلت الحرب العالمية الثانية، ومنها انتقل إلى الدول الأخرى. ومع تطور ونجاح تطبيقه أصبح علمًا يدرس في أغلب الجامعات العالمية, وتعقد له البرامج الخاصة, وتمنح رخص دولية في ممارسته وبمستويات متعددة, تمامًا على غرار الرخص الطبية؛ اعترافا من العالم بأهمية المشاريع وعلم إدارتها.

وإدارة المشاريع تعني باختصار إنجاز العمل في الوقت المحدد، وضمن الميزانية المحددة، ووفقا للمواصفات المحددة. وهذه العوامل الثلاثة تتأثر سلبًا وإيجابًا بمن تسند له إدارة وتنفيذ هذه المشاريع من الشركات والمؤسسات المصنفة.

ولأن المملكة ولله الحمد تمر بطفرة في المشاريع التنموية، والدولة تحرص أشد الحرص على جودتها وإنجازها في الوقت المحدد, ولكون إسناد المشاريع في المملكة يخضع لمعيار تصنيف المقاولين؛ فإن العوامل الحرجة الثلاثة (التكلفة والجودة والوقت) من الطبيعي أن تتأثر بمدى جودة ورداءة آلية هذا التصنيف.

وتصنيف المقاولين أداة لقياس قدرات المقاول وإمكانياته, ويتم تطبيقه في معظم دول العالم المتقدم بدرجاته الخمس؛ ليحدد ملاءمة إمكانية إسناد المشاريع إلى المقاول حسب قيمة المشروع، ووفق الحد الأعلى لقدرات هذا المقاول أو ذاك. ومن المتعارف علية أن الحد الأعلى لكل درجة يمثل إمكانية المقاول لإنجاز المشروع خلال عام كامل. إلا أن ما يمارس لدينا يخالف هدف التصنيف على أرض الواقع, فيحصل المقاول على عددٍ كبيرٍ من المشاريع يفوق قدرته التصنيفية ماليًّا وإداريًّا وفنيًّا بعشرات المرات, وبمباركة من الجهات الحكومية، بل إن بعض هذه الجهات يقوم بتجميع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مشروع واحد، على الرغم من تباعد وتعدد مواقعها, مما حرم صغار ومتوسطي المقاولين من فرصة الحصول على المشاريع، إلا عن طريق (الباطن المصنف) وأوجد سوقًا سوداء لبيع المشاريع، وتخمة للمصنف، واحتكارًا لصناعة المقاولات بيد عدد محدود من حملة التصنيف العالي! ولا غرابة إذًا في أن تعاني مشاريعنا من التعثر (أحيانًا) وقلة جودتها (غالبًا) وارتفاع تكلفتها (دائمًا).

ولو ألزم المقاول من قبل لجان فحص العروض بالإفصاح عن ما لديه من مشاريع، وعن نسبة إنجازه، والتزمت الجهات الحكومية بطرح المشاريع كلّ على حدة, وتنبهت الجهات الرقابية لذلك؛ لتمكن المقاولون على مختلف درجات تصنيفهم من المشاركة, ولربما ساهمنا في صناعة سوق مقاولات بيضاء.

تتويت:

في ظل عدم وجود هيئة وطنية للمشاريع، تعنى بالمعايير والتصنيف والإنجاز, وفي ظل احتكار الشركات الكبيرة للمشاريع, ستظل التكلفة رهنًا لجشع المصنَّف، والجودة لغير المصنَّف، وسيتجاوز مشاريعنا الزمن.