أجمل ما وصلني في مسائي ذاك كان الخبر المتعلق بصف تميز بفكرته وأهدافه وسياساته، صف خطط ونفذ وأنجز صورة رائعة للتعليم، صورة أتمنى استنساخها في كل مدارس المملكة العربية السعودية، فقد وفرت البيئة المناسب لتحفيز الطلاب وبث الثقة في نفوسهم وقدراتهم، وعلمتهم كيف أن احترامهم لأنفسهم من احترامهم للآخرين، علمتهم العمل وفق فريق عمل وتقدير قيمة الوقت وكيف يتكلمون ويتصرفون حسب الحال، بل وكيف يتناولون طعامهم ويحرصون على نظافة محيطهم ويقدرون الملكية العامة.

ففي مدرسة "أم العراد الابتدائية" التي تقع على بعد 110 كم عن الأحساء، حول معلم المرحلة الابتدائية الحلم إلى حقيقة والخيال إلى واقع ، فالشاب (تركي بن أحمد المحيسن) ابن الستة والعشرين عاما والمتخصص في الدراسات القرآنية، لا يعرف الكلل ولا الملل، يتحرك في يقظته ومنامه بطموح يلامس عنان السماء، معلم لا يعرف لغة الأعذار التي اعتدنا سماعها عند الفشل أو الإهمال، ومع أن تجربته في التعليم قصيرة نسبيا فهي لا تتجاوز ثلاثة أعوام إلا أنه بفضل الله ومساندة إدارة مدرسة مخلصة وزملاء عمل أفاضل أنجز الكثير في مجاله، فبعد فصل دراسي واحد من ممارسة الأستاذ (تركي) لمهنة التعليم بدأ بتنفيذ مشروع "نحن نبني المستقبل" ولأني حريصة على بيان فكرة المشروع وأهدافه سأنقل لكم حديث الأستاذ تركي المربي وقائد الصف الثاني الابتدائي فقد قال: "نشأت فكرة هذا الصف من برنامجي الطلابي (نحن نبني المستقبل)، الذي يهدف إلى أن يحدد الطالب وجهته في المستقبل منذ نعومة أظفاره، ولتحقيق هذا المشروع كان لا بد أن تتهيأ بيئة الصف بالطموحات التي تساهم في تحفيز الطلاب تعليمياً وتربوياً، وكان لا بد من بذل المال والوقت لتحقيق ذلك".

ومن باب (أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) حرصت على الاتصال بالأستاذ (تركي) لعلي أعرف يقينا كيف بدأت الفكرة وكيف فعلها وطورها، ومكنها لتكون ثابتة في الميدان، وكيف جهز الفصل الذي يمكن أن يعد نموذجيا للمدارس على مستوى البلاد، فمن حيث هيئة الصف عمد إلى تغيير ألوان الجدران وزود القاعة الدراسية بأجهزة إلكترونية كجهاز العرض (داتا شو) ومكبر الصوت وجهاز كمبيوتر مزود بخدمة الإنترنت كوسيلة سريعة للتواصل مع أولياء الأمور وخصص لكل طالب صندوقا بمفتاح مرفق به ملف خاص يدون فيه إنجازاته العلمية، متخذا النجوم المذهبة شعارا للفصل، ومن عمل في حقل التعليم يدرك الأثر الإيجابي الذي تتركه النجوم في نفوس الطلاب والطالبات، ولتعزيز الثقة بطريقة عملية في نفوسهم حرص على اختيار كل منهم مهنة يتطلع إليها فكان ابن ثمان سنوات رجل الأمن والطبيب والمهندس ورجل الإطفاء ووجه كل منهم لارتداء زي المهنة الرسمي التي اختارها، والرائع أنه يخاطبهم على هذا الأساس فهذا (فهد بن محمد المري) الطبيب، وذاك رجل الأمن.. وهكذا، أما عن البرامج العلاجية المخصصة لتحسين قدرات الطلاب ومهاراتهم فقد تفرغ الأستاذ تركي في وقت الفسحة اليومية ولمدة ثلاثة أسابيع وبشكل شبه يومي لتقوية مهارات الطلاب الذين لا يتقنون القراءة والكتابة على أن يوفر ومن حسابه الخاص وجبة خاصة لكل منهم، وفي عام 1432 وهذا العام ضم هذا البرنامج 12 طالبا لم يبق فيه إلا طالبان.

وجدير بالإشارة هنا أن مدير (مدرسة أم العراد) الحالي يؤكد أن طلاب الأستاذ تركي وهم حاليا في السنة الرابعة ما زالوا على حالهم من التفوق والالتزام، إلا أنهم يشكون من تغيير السياسة التي عاشوا في ظلها لعامين متتاليين، على يد الأستاذ تركي بارك الله به.

ورغبة في تحفيزهم على الإنجاز وتقدير الذات وضع مجلة حائطية تحمل كتاباتهم وأخبارهم ودرجاتهم، واعتمد بث أفلام توثيقية تتحدث عن ومع الناجحين في عدة مجالات، وكان للمكتبة نصيب يذكر إذ حوى صف الأستاذ مكتبة تحمل كتبا تتناسب وطلاب الثاني والثالث الابتدائيين، والجميل أن قدر صغر سن الطلاب فوضع في الصف ثلاجة مخصصة للماء لتكون في متناول الأطفال عند حاجتهم، كما وضع على مقاعد الطلاب وسائد أسفنجية إمعانا في راحة أجسادهم.

الحقيقة أن الكلام عن الأستاذ تركي و(صف المستقبل) لا يمكن استيفاؤه في هذه السطور، لذا أنصح القارئ الفاضل بالعودة إلى الموقع الخاص بـ(صف المستقبل) على الإنترنت ليرى بعينه إذ (ليس من رأى كمن سمع) كما يجدر بي التنويه أن الأستاذ تركي هو المتكفل ماديا بأكثر من نصف التكاليف وبماله الخاص حول صفه إلى خلية نحل وزودها بالأجهزة الإلكترونية بارك الله به.

وتنفيذا لرغبة الأستاذ تركي سأذكر بعض الأسماء التي ساندت خططه ومن هؤلاء مدير المدرسة (زياد العتيبي) الذي كان متعاونا إلى أبعد درجة مع ضعف الإمكانيات المادية لمدرسة (أم العراد)، ومديره الحالي الأستاذ (يوسف بن حمود الكبيسي) في مدرسة "غمرة الجهني الابتدائية" في قرية القرين الأحساء التي انتقل إليها مؤخرا والأستاذ (سامي الملحم) وكيل المدرسة الذي وصفه الأستاذ تركي بالجندي المجهول، فهو المتابع وبشكل يومي لأنشطة (صف المستقبل) وإنجازاته، كما طلب توجيه بطاقة شكر خاصة للأستاذ (أحمد الشقيري) الذي ساهم بشكل أو بآخر بدفعه لهذا التوجه، ولعدد من المعلمين الذين كان لهم دور واضح في مسيرة صف المستقبل.

وأخيرا، أطالب القطاع الخاص الذي يبادر عادة بدعم المناسبات التربوية، دعم (صف المستقبل) ومن طبق سياسته، كما أعتقد أن الأستاذ "تركي" يستحق تكريم وزارة التربية والتعليم، بل ويستحق الحصول على جائزة التميز التي يرعاها أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد، فهو فخر لحقل التعليم وللمنطقة الشرقية وللمملكة العربية السعودية جزاه الله خيرا وبارك به.