قلت في مقالتي الأخيرة إن واحدة من السبل الممكن تحقيقها للرفع من مستوى معيشة المواطن والتي يمكن أن يستفيد منها جميع المواطنين العاملين في الدولة أو في القطاع الخاص أن تلتفت الدولة إلى خفض حجم المصاريف التي يدفعها المواطن شهريا، عبر فواتير الكهرباء والماء والغاز والبنزين والرسوم المطلوبة منه تجاه أي خدمة يحتاجها، والتي كانت مجانا أو بسعر رمزي، والآن باتت باهظة ومكلفة وتأخذ رقما عاليا من راتبه الشهري، ثم الالتفات لجشع التجار وتلاعبهم بالأسعار في ظل غياب أي دور فاعل وحقيقي للجهات الرقابية الخاصة بحماية المستهلك.

وأستكمل هنا الجزئية المتعلقة بجشع التجار وعدم وجود أي دور فاعل للجهات الرقابية المعنية بحماية المستهلك، فالسوق السعودي يكاد يكون هو الوحيد في العالم الذي إذا ارتفعت فيه أسعار السلع لسبب مرتبط بالعرض والطلب أو لأسباب أخرى فإنها لا تعود لوضعها الطبيعي حتى وإن انتفت تلك الأسباب، أما العبث بأوزان وأحجام محتويات السلع الغذائية كمخرج آخر لعدم رفع السعر فذاك شأن آخر، أحيانا قد تكتشفه وفي أحيان كثيرة لا يمكن لك كشفه بسهولة، فرغيف الخبر قد تلحظ أن حجمه آخذ في الصغر من حين لآخر، ولكنك قد لا تكتشف ما إذا كانت أنبوبة الغاز مليئة أم لا؟

وموضوع ارتفاع أسعار السلع لا يتعلق بالسلع الغذائية فقط ولا يتعلق أيضا بسلع أساسية وأخرى ثانوية؛ بل الأمر يتعلق بأكثرية السلع وباختلاف أنواعها، والواضح أنه لا توجد هناك آليات محددة تنظم هذه المسألة، ولا توجد نية صادقة لدى الجهات المعنية في هذا الجانب لوضع حد لهذه المخالفات والتجاوزات.. ولست أدري ما إذا كانت كل الشكاوى في هذا الجانب ينبغي أن تصل لأعلى المستويات في الدولة ليتم التدخل فيها ووضع حد لها وحسمها وحلها، مثلما حدث مع مسألة الشعير، والتي اتخذت فيها إجراءات كبيرة وجذرية ووصل الحال حيالها إلى معاقبة المخالفين والمتلاعبين بسوق هذه السلعة إلى التشهير بهم بشكل لاقى القبول والإعجاب من المواطنين لحد المطالبة بتطبيق نفس الآلية لمعالجة الكثير من القضايا والمسائل المشابهة.

وفي ظني أنه مثلما تم التشهير بأولئك المتلاعبين بالأسعار هناك حاجة للتشهير بالأشخاص غير القائمين بالدور المناط بهم تجاه حماية المستهلكين، عبر صدور قرارات تعفيهم من مناصبهم والإعلان عن سبب إقالتهم، فما أكثر اللجان في الغرف التجارية الصناعية وفي وزارة التجارة وكلها معنية بخدمة وحماية المستهلك، ومثلها جمعيات حماية المستهلك الحكومية والأهلية ولكننا نسمع أقوالا ولا نرى أفعالا.

الطريف أنه في الوقت الذي كنت أفكر فيه بكتابة هذه المقالة كنت قد سألت عاملا من الوافدين في أحد المحلات التجارية عن سعر سلعة وددت شراءها فماذا تتوقعون كانت إجابته؟ لقد قال لي بلغة عربية مكسرة "أنت كم يدفع"؟

أنا متأكد أن الكثير منا سمع من بعض العمالة عبارة "أنت كم يجيب؟" عندما تسأله عن قيمة أتعابه لعمل ما، ولكن أن تكون هناك بضاعة معروضة ويفترض أن تكون الأسعار عليها كما هو معمول في كل الدول التي تحترم المستهلك وتعمل لخدمته وحمايته؛ ثم تأتيك عبارة "أنت كم يدفع؟" فذاك شاهد قوي على حضور الفوضى وغياب والرقابة.