يعتبر الحوار الوطني في المملكة أحد أهم الإنجازات السعودية، في الوقت الذي لازلنا ننتظر أن يحقق المزيد من تطلعاتنا وطموحاتنا خاصة أنه خطوة إيجابية في طريق التشاور منطلقاً من الأمر الإلهي (وشاورهم في الأمر) ولقد كان لي شرف المشاركة في الحوار الأول بمكة المكرمة الذي ضم شريحة كبيرة ومتنوعة من شرائح المجتمع وفئاته ومذاهبه ومناطقه، جمع بين الجنسين المرأة والرجل. وللحقيقة كان حواراً ديمقراطياً خالياً من القيود والحدود بلغة برلمانية، اختلفنا بالرأي في بعض الأمور واتفقنا على الأهم وهي وحدة الوطن، كنا متفرقين في العلاقة الشخصية قبل الحوار وأصبحنا أصدقاء في نهايته حتى وإن ظلت آراؤنا مختلفة، إلا أننا حفظنا الاحترام والتقدير بيننا. لم أكن متفائلاً بنتائج الحوار لا قبل انعقاده ولا بعد انتهائه، وتمر السنوات الثمانية الأولى والحوار مستمر في أدائه، بل تطور في وسائله وتنوع في مواضيعه، وأصبح حواراً مؤسسياً أنشئ له مركز متخصص وسمي باسم المؤسس للدولة السعودية الملك عبدالعزيز "رحمه الله" وحظي بدعم خاص ومتابعة شخصية من مؤسس المركز الملك عبدالله "حفظه الله"، وأوكلت مهمة اللجنة الرئاسية المشرفة على المركز إلى رجال مخلصين من خيرة رجال هذه الدولة علماً وفقهاً وخلقاً وخبرة ولا يختلف على هذا اثنان.

أما الأمانة العامة فأوكلت إلى رجل متميز في فكره وإدارته وأمانته وحياديته، استطاع أن يحول هذه المؤسسة الفكرية مع زملائه إلى مركز عصري متنوع يساهم في دعم خطط وسياسات صانع القرار في الدولة السعودية. نعم لقد استطاع أخي معالي الأستاذ فيصل بن معمر أن يحول هذا المركز إلى أحد أهم المؤسسات الفكرية التي تجمع أكبر تنوع مجتمعي للحوار في مواضيع تهم الوطن، وتتيح للمشاركين الفرصة لطرح آرائهم وأفكارهم بكل حرية وشفافية وبدون حجر أو قيد على المواضيع، بعيداً عن التجريح أو المصالح الشخصية وبلغة برلمانية.

إن فاعلية طرح المواضيع المتنوعة في جلسات ولقاءات الحوار الشفافة أقوى وأكثر جرأة من تلك المطروحة في مجلس الشورى، وذلك لأسباب عديدة، منها أن تنوع أعضاء الحوار الوطني في كل لقاء وحوار أكبر من تنوع المشاركين في عضوية مجلس الشورى الثابتين في العدد ومدة العضوية، فهم متكررون في الحوار في كل موضوع، وإن اختلفت اللجان المتخصصة؛ إلا أن الحوار النهائي في الجلسة العامة لنفس الأعضاء. أما الحوار في مركز الملك عبدالعزيز فهو متنوع المواضيع والأشخاص، وأكثر جرأة في الطرح والحوار، ولا علاقة لرؤساء جلسات الحوار والأمانة العامة بأسلوب وطريقة وحرية الطرح، فهم منسقون فقط، ورغم كل هذه الإيجابيات إلا أنني أيضاً لم أكن متحمساً لقبول دعوة مركز الحوار لحضور لقاء الخطاب الثقافي السعودي الرابع عن موضوع الإصلاح والتطوير في المجتمع السعودي، الذي عقد يومي الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الماضي في العاصمة الرياض، إلا أن محبتي لوطني ورغبتي الصادقة في الإصلاح والتطوير، وقناعتي الأكيدة بأن إيجابية المشاركة في الحوار أفضل كثيراً من سلبية عدم المشاركة؛ جعلتني أقبل الدعوة وشاركت على مدى يومين، وحمدت الله بأنني لم أتخلف عن هذا اللقاء، لأني غيرت رأيي كثيراً عن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وأجزم بأنه يقود حراكاً فكرياً في جميع الجوانب السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وهناك مواطنون متعلمون مثقفون من جميع طبقات وفئات المجتمع من الجنسين رجال ونساء وشيوخ وشباب بكل طوائفهم حريصون كل الحرص على وطنهم وقيادتهم، يطرحون الآراء والأفكار وبكل اللهجات ونغماتها العالية والرقيقة للإصلاح الذي يحافظ على وحدة الوطن وقيادته، يطرحون الاقتراحات والانتقادات بغرض البناء والاستمرار فيه وليس الهدم والفرجة عليه.

لقد شاركت مع مجموعة من خيرة أبناء هذا الوطن، تنوعت مواضيع الطرح والحوار عن الإصلاح والتطوير. ولا أود طرح آراء الآخرين فهي مُعلنة ومسجلة لدى المركز وستنشر رسمياً، وإنما من حقي أن أنشر بعض آرائي التي شاركت بها في الحوار، وهي في إطار الموضوع الرئيسي الإصلاح والتطوير، حيث أكدت قناعتي بأن الإصلاح والتطوير مطلب وطني وشعبي، وأن القيادة السعودية حريصة على الإصلاح، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله قائد الإصلاح والتطوير، وأن هناك العديد من الخطط والسياسات والتوجهات الإصلاحية قد صدرت بها أوامر وتوجيهات سامية وأتساءل هل الأسباب هي المعوقات التي تواجه سياسات الإصلاح وما هي هذه المعوقات؟ وإذا كنا نعرفها لماذا لا يُعلن عنها لمحاولة إزالتها لتحقيق الإصلاح؟ أو قد يكون السبب هو المجتمع الذي يختلف على بعض المشاريع الإصلاحية؟ وعليه فنحن في أمس الحاجة إلى ممثلين للمجتمع للتحاور معهم والوصول إلى حلول مقنعة.

إن نسب الفقر والبطالة ومعاناة بعض المواطنين من نقص الخدمات الأساسية في المدن والقرى وارتفاع معاناة بعض المواطنين من عجزهم في توفير السكن اللائق، جميع هذه المعاناة تؤكد أننا في أمس الحاجة إلى تطوير سياسات وخطط الإصلاح إذا وجدت أو وضعت خطط إصلاحية جديدة تتناسب مع الاحتياج. متمنياً على المخططين لاحتياجات المجتمع أن يأخذوا رأي المجتمع وألا يخططوا بعيداً عنه، وأجزم أن من أهم وسائل الإصلاح والتطوير هو التغيير، وأقصد تغيير القيادات الإدارية التنفيذية بصفة دورية.

هذه بعض أهم المواضيع التي شاركت فيها برأيي المتواضع في لقاء الخطاب الثقافي الرابع (الإصلاح والتطوير في المجتمع السعودي) وأكرر أنني فخور جداً بأبناء ونساء وشباب هذا الوطن، خاصة زملائي المشاركين في حوار الإصلاح، مؤكداً أن فكرة اختيار بعض منهم كمستشارين لصناع القرار كل في تخصصه سيسهم في دعم برامج الإصلاح في دوائرهم.

واخيراً أطمئن إخواني من أصحاب الرأي الآخر بأن معظم آرائهم وأفكارهم طرحت للحوار والنقاش بأسلوب برلماني مقبول، وكانت مكان تقدير من الجميع، منطلقاً من مبدأ احترام الرأي الآخر. فهل نراهم معنا في الحوار في لقاءات قادمة؟