كان ستيف جوبز مشاغبا جدا في مدرسة (مونتا لوما الابتدائية) بكاليفورنيا. لا يلتزم بالتعلميات، ولا يعبأ بالتوجيهات. تسبب في صداع مزمن لإدارة مدرسته. ارتبط اسمه بالإزعاج والمشاكل. لكن عندما انتقل إلى الصف الرابع انقلب حاله رأسا على عقب.

قامت معلمته، السيدة إيموجين هيل، بمراقبته لأسابيع دون أن تقوم بنهره أو معاقبته. وبعد نهاية أحد الأيام الدراسية أعطته المعلمة إيموجين كتابا يحتوي على بعض المسائل الرياضية الشائكة وطلبت منه محاولة القيام بحلها. فأجابها: "هل أنتِ مجنونة؟". ردت عليه قائلة إنها ستمنحه مقابل حله لهذه المسائل قطعة حلوى وخمسة دولارات. ذهب ستيف إلى المنزل وهاجسه أن يحصل على قطعة الحلوى والدولارات الخمسة بأي ثمن.

انكب على كتاب الرياضيات وقام بحل كل المسائل. أعاده إليها بعد يومين فقط. انبهرت معلمته بأدائه ونبوغه. كان يتملكها إحساس أن ستيف طالب غير عادي. لكن الآن تحول الإحساس إلى واقع ملموس.

منحته إيموجين منذ ذلك الحين اهتماما إضافيا يليق بما يكتنزه من إمكانات وقدرات. شعر ستيف باهتمام هائل. رسخ في داخله الشعور، الذي زرعه والداه فيه، بأنه شخص مختلف.

تحول ستيف من مصدر إزعاج إلى مصدر زهو لإدارة مدرسته. رشحته معلمته إيموجين لخوض اختبار في القدرات، إذا اجتازه يستطيع أن يقفز عامين دراسيين.

خاض ستيف الاختبار بعد نهاية الصف الرابع وتجاوزه؛ مما جعله جديرا بالانتقال إلى الصف السابع. لكن والديه خشيا عليه من أن تجاوزه عامين دراسيين سيضره أكثر مما ينفعه.

اتفقا مع إدارة المدرسة على أن ينتقل إلى الصف السادس. أي سيتجاوز عاما واحدا فقط.

كان ستيف حزينا لأنه انتقل إلى صف مع طلاب أكبر منه ولا يعرفهم، لكن حزنه كان أكبر؛ لأن إيموجين لم تعد معلمته كما كانت.

يقول ستيف جوبز في سيرته الذاتية التي كتبها، والتر ايزاكسن: "لولا إيموجين ربما انتهى بي المطاف في السجن".

لقد كان تأثير السيدة إيموجين كبيرا ومؤثرا في حياة مؤسس شركة أبل، ستيف جوبز، وحياتنا أيضا.

منحته الثقة في نفسه وأعادت اكتشافه من خلال حِلمها وصبرها عليه، عبر مبادراتها الصغيرة، الكبيرة أثرا وتأثيرا، فمنحنا منتجات إلكترونية مازلنا نستمتع بها ومعها.

إن المعلم يلعب دورا محوريا وكبيرا في حياتنا. كلمة منه قد تغير مسار حياتنا وطريقة تفكيرنا. جوبز لم يتخرج في جامعة، لكن تخرج في مدرسة تكترث بطلابها وتمنحهم بدل الفرصة فرصتين وثلاثا وأربعا حتى يستطيعوا أن يكتشفوا أنفسهم، ويتابعوا مشوارهم.

نحن بحاجة إلى مدارس مؤثثة بالأمل والحِلم والحُلم، وليست مؤثثة بعبارات التنديد والوعيد. تفتقر مدارسنا إلى مبادرات تغذي أرواح الطلاب، وليس بطونهم.

إن ستيف جوبز، ومايكل ديل، وبيل جيتس، وغيرهم من الأميركيين المبدعين ثمرة لبذور زرعتها إيموجين وزميلاتها وزملاؤها في أرواح هؤلاء الأفذاذ عندما كانوا صغارا. في أحيان كثيرة، أشك أن معلمينا يدركون أن الصغار سيصبحون يوما ما كبارا.

لا أتذكر أنهم سقوني حُلما وأملا. فإذا كانت الشجرة تحتاج إلى ماء لتنهض، فنحن نحتاج إلى فكر لننضج.

نحن ولدنا مختلفين، وما أجمل أن يكون كل منا مختلفا. لكن مدارسنا للأسف تريدنا نسخا متطابقة. يعاملوننا كأننا نشبه بعضنا بعضا، رغم أن كل واحد منا بحاجة إلى معاملة مختلفة تتناسب مع تفكيره وعقليته وإمكاناته. فخرجت أجيال لا تجيد الابتكار والإبهار. تجيد صناعة الإحباط. يقول لاوتسو: "الإنسان عندما يتأمل ويتعمق.. بوسعه الحصول على كل شيء".

للأسف لم نتعلم كيف نتأمل، وكيف نتعمق. فصار من الصعب أن نقبض على أحلامنا رغم أنها قريبة منا. قريبة جدا.

إن مستقبلنا بحاجة إلى آلاف مثل السيدة إيموجين لتروي الصحارى اليباب في أرواح أطفالنا.