الغرامات المالية التي تتكبدها الشركات السعودية المدرجة في سوق المال نتيجة وقوعها في مخالفات تضع علامات استفهام أمامها، ذلك أن نظام هيئة سوق المال الصارم يُحمل الشركة كامل المسؤولية بعيداً عن المتسبب الفعلي الذي جر اسم الشركة لموقع تداول الإلكتروني لتتلقى نصيبها من المخالفات.
محللو الأسهم عزوا في حديثهم إلى "الوطن" وقوع الشركات في هذه الأخطاء إلى ثلاثة أسباب، أولها جهل الإدارات بالأنظمة والقواعد وصعوبة وكثرة مصادر الأنظمة، وثانيها أن الشركات ذاتها وكبار مساهميها ينتفعون من تسرب المعلومات لصالحهم، طمعاً في تحقيق مكاسب خاصة مقابل مبلغ يسير لا يتعدى 100 ألف ريال تدفعها الشركات للهيئة على شكل مخالفة، أما ثالث الأسباب فهو اختلاف تفسيرات اللوائح والقواعد النظامية الذي يخضع للتقديرات المختلفة بين الهيئة والشركات.
فيما شدد المحللون على أن النظام يحتاج إلى تطوير نوعي لإيقاف التجاوزات ومعالجة الثغرات بالإضافة إلى إلزام الأجهزة الإدارية في الشركات باجتياز الاختبارات الخاصة بالأنظمة للوصول إلى أعلى معايير الشفافية مع إلزام مسؤولي الشركات باجتياز اختبارات خاصة.
وقال خبير أسواق الأسهم المحلل خالد شليل إن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الشركة ومساهميها يدفعون ثمن أخطاء الإدارة، فالنظام في هذه الحالة عاقب الشركة والمساهم دون ذنب فيما تتوجب العقوبة على الموظف المسؤول في الشركة بالتحديد.
وأكد شليل أن جهل الأجهزة الإدارية في الشركات السعودية المدرجة بسوق الأسهم كبير جداً وخاصة فيما يتعلق بقواعد التسجيل والإدارج والإفصاح والشفافية وعدم إلمامهم التام بحوكمة الشركات, مرجعا الأسباب أيضاً إلى طرق اختيار إدارة الشركة التي جرت العادة أن تكون من أكبر المساهمين.
وأوضح شليل أن دفع الشركة لمخالفات يعتبر خسارة حتى لو كانت مبالغ تعتبر قليلة بالنسبة لها مثل 100 ألف أو 50 ألفا عند مقارنتها بالخسارة المعنوية، ما لم يكن هناك مكاسب أخرى للشركة وكبار حملة الأسهم تدفعها لإخفاء معلومة أو التأخر في إعلانها مقابل تلقي المخالفات البسيطة. لافتاً إلى أن الحل يكمن في العمل على مشروع إصلاحي كبير يشمل كافة القطاعات بما فيها سوق المال.
وأوضح شليل أن من أهم الشروط الواجب إقرارها في العمل في الأجهزة القيادية للشركات المدرجة في السوق اجتياز اختبارات إدارية تضعها الجهات المشرعة، بالإضافة للحصول على شهادات cma1 ،cma2 التي تطبقتها هيئة سوق المال على المدراء الماليين في شركة الوساطة، وهذه الاختبارات تشتمل على أساسيين نظري وفني، حيث يشمل الجزء النظري كافة القوانين واللوائحة والأنظمة للشركات، والفني يشمل التحليل الإحصائي والرياضي والكمي.
في السياق ذاته قال مدير لإحدى شركات الوساطة في السوق السعودي سعد آل حصوصة إن أهم عوامل نجاح أسواق المال هي مستوى الشفافية وجودة العمق لترقى إلى مستوى السوق الناضج.
وأكد أن النظام الحالي لا يعالج كل الثغرات التي يعاني منها السوق والتي تسبب في كثير من اعتماد المتعاملين على اتخاذ قرارات ارتجالية لغياب الشفافية.
ولفت آل حصوصة إلى أن المخالفات التي تقع فيها شركات كبرى مثل التأخير في إعلان القوائم المالية على سبيل المثال أمر يدفع للشكوك لأن إدارات الشركات لا يمكن أن تغفل عن مواعيد الإعلانات، إلا في حالة الإهمال الشديد، فالأسهم حق عام لكل المساهمين والمعلومة حق بنفس الأهمية لا يجب أن تخفى على المستثمر كبيراً كان أم صغيرا.
وبين أن المخالفات يجب أن تتعدى الشركة إلى الموظف المتسبب أو ضابط الاتصال بين الشركة والهيئة لإيقاف التجاوزات، معتبراً أن التحقيق مع الشركات بعد وقوعها في المخالفات ومحاسبة المقصرين أصبح مطلبا هاما لرفع درجة أداء السوق أسوة بالأسواق العالمية.
وذكر أن النظام يجب أن يحدث من جديد للقضاء على تلك الظواهر السلبية لبناء سوق حقيقي.