قابلته ذات صيف، في مدينة الطائف المأنوس، وهو يحمل مجموعة كبيرة من الصحف والمجلات، ويخرج بها من مكتبة "الثقافة" في باب "الريع" كان يعتمر "كوفية" على رأسه، ذلك الرأس شديد الاغتناء، والمترع والمتشبع بالرؤى والأفكار والخصوبة، وطموح التجريب دون الارتهان لمصنعات ومنظومات كانت تحيط به، محتمية بمكنونات تقليدية تراثية تصفدها القوالب الضاغطة ضد الانفتاح على عوالم وتشوفات معرفية، قرأته شعريا فلمحت ذلك التبرم الصارخ، والقلق الحارق، والتوجع غير الواهن حين يقول: ولقد كنت طائراً يألف الضوء ولا يألف الدجى الغربيبا وأنا الآن لا تطيق جفوني رؤية النور نازحاً أو قريبا قابع في غيابه من ظلام أوجس الخوف أو أعد الذنوبا تترامى حولي الوساوس والأوهام تشتد أو تدب دبيبا.

إن الخطاب الشعري عند حسين سرحان يتأتى من تعدد الأصوات المنسربة بين العتمة والغموض، وبين التداخل مع الحياة وسيادة الانطواء والعزلة بكل انجراحاتها وملازمتها له حتى لحظة رحيله: وقال القائلون أمات حقاً؟ نعم والحزن جفت مقلتاه. وأنسيه صديق قد رثاه وأهمله حبيب قد بكاه. وبدلت التعازي بالتهاني وكل دب فيما قد عناه. تذهلك في حسين سرحان تلك المساحة المعجمية، والجبروت النحوي، والارتواء الدلالي، الذي يقتضي منك مجاهدة بالغة، فلغته الباهرة والناصعة، وبوحه العميق، لا يقصد بهما الإغراب أو إجهاد وتضليل المتلقي، وإنما هي مرجعيته اللغوية البدوية، التي انصهر بها واتكأ عليها وجلبها من "بني سعد" من هوازن القبيلة القيسية المضرية العدنانية.

قبل عدة سنوات نشرت مجلة "شخصيات" استطلاعا مصورا عن الشاعر حسين سرحان، مزودا بصور نادرة كرائد من رواد الأدب السعودي الحديث، ودوره في الحركة التجديدية الشعرية، وقد استعرضت المجلة حياته وتنقله بين حي المعابدة والبادية، في محلة تسمى "الرصيفة" في مكة، حيث كان يرعى "البهم" ويشتري ويبيع في الأغنام، وعاش أغلب حياته في البادية، إلى أن استقر في مكة المكرمة، ووافاه الأجل بها عام 1413 وقد تزوج من ابنة عمه، وله من الأبناء محمد رحمه الله، ومن البنات مزنة وهيا وقد توفيتا، وبقي ابنتان، ويقول في مزنه بعد وفاتها: أراك، أراك في نومي وصحوي وفي بعد وفي قرب قريب. أراك مع الهواء مع الأماني مع الماء الذي أحسو "بكوبي" أراك وربما أبصرت نفسي خلالك عبر أودية الغيوب. عليك على ضريحك كل "مزن" تهب به الرياح مع الهبوب..

يقول حمد الجاسر: "السرحان واسع الاطلاع لدرجة عجيبة، حقاً قَل أن يصدر كتاب في الأدب والتاريخ، أو في الشعر أو القصة لم يطالعه" ويقول أبوعبدالرحمن بن عقيل: "السرحان من المعنيين بمتن اللغة العربية وتصريفها، ولقد سمعت أنه حل مستغلق "لسان العرب".