فازت إحدى الهيئات الهندسية السعودية بجائزة دولية على تصميم تحويلات أحد الطرق الرئيسية. التفوق أمر مهم، ولا بد أن نشجع كل المختصين والمحترفين لدينا للحصول على الجوائز العالمية. لكن الأكيد أن الممـارسة اليومـية تنتج ـ بالضرورة ـ مهارات مميزة، يبرز من خلالها التفوق المهني. شخص يصمم بشكل شبه يومي التحويلات، لا بد أن يتمكن من الإبداع في المجال، ويُصمِّم عشرين طريقة لتحويل حركة المرور خلال دقائق.

التحويلات هي الاستفزاز نفسه للمواطن، خصوصا إذا كانت ـ وهذا المعتاد ـ في الطرق التي تربط المناطق المهمة في المدينة. التحويلات أحد الأسباب المهمة للقيادة العصبية التي نراها في الشوارع اليوم. كما أنها تساهم في تجميد حركة المرور في الشوارع خصوصا في المدن الكبيرة، لهذا يفكر الواحد منا أكثر من مئة مرة قبل أن يخرج فلا يفعل ذلك إلا مضطراً، وهناك من يتهمنا بالكسل! طبعاً هذا ساهم في زيادة أعداد السائقين الأجانب وسيارات الأجرة وسيارات المشاوير الخاصة، وهي اختراع آخر يفترض أن نحصل على جائزته.

نسبة الشوارع التي تقع تحت معاول الأشغال العامة تعادل 13%، الحفريات ما تزال العنوان الثابت الذي يرفض الاختفاء حتى في أحياء تجاوز عمرها الثلاثين سنة. قدر هذه الشوارع أن تقع تحت رحمة الحفارات والرصّاصات كل أربع إلى خمس سنوات. ومع ذلك لا توجد صورة واضحة لما تحت الأرض لدى أي من الجهات الخدمية التي تحفر وتقبر وتدفن باستمرار.

ترتبط كل جهة تحفر في وجه المدينة بوزارة أو شركة مختلفة، هذه الجهات تخطط وترسم وتنسق المدينة وفق رؤيتها وبرنامجها الخاص. تجد شركة الكهرباء تحفر في حي، وشركة المياه تحفر في حي آخر، وشركة الاتصالات تحفر في نفس الحي ولكن على بعد خمسة شوارع، وشركة الصرف الصحي تحفر في نفس الشارع ولكنها تنتظر أن تنهي شركة الكهرباء أعمال الحفر، لتقوم هي بحفر الجزء الذي يخصها. ثم تعود شركة المياه للحفر بسبب كسر الخط عندما حفرت شركة الصرف الشارع.

يبقى سكان الحي في حصار أزلي، تنتج عنه فوضى "غير خلاقة". نكتشف أساليب جديدة في اختيار مواقف السيارات، وقفز الحفريات، وتركيب العبَّارات للوصول للطرف الآخر من الشارع. وتبقى اللوحة التي تقول "نعمل لخدمتكم ونأسف لإزعاجكم"، يتغير فقط اسم الشركة التي تعتذر من المواطن.

والمفترض أن تكون الأمانات والبلديات هي المسؤولة عن تنسيق جميع الأعمال الخدمية.

هدأت حمى الانتخابات للمجالس البلدية، وبغض النظر عن حجم الإقبال والأسماء إلا أنه لا بد أن يكون للمجلس مهام وواجبات تجاه الناخبين على الأقل. لماذا لا ننقل ملكية شوارع المدينة وحدائقها ومرافقها العامة للمجلس البلدي، ونعطيه صلاحية إصدار التراخيص لكل من يعمل في المدينة بحيث نضمن التجانس وتخطيط الأعمال بطريقة علمية تراعي كل شيء.. وبكل شيء أعني كل شيء!

المجالس البلدية تمثل كافة شرائح الساكنين، وكل أحياء المدينة. العضو يعيش معاناة الساكنين لأنه منهم، فهو ليس مسؤولاً كبيراً تتم زراعة مدخل شارعه وسفلتته باستمرار ويعطى الأولوية في الأشغال والخدمات.

هذا يتطلب أن تكون لدى أمانة هذه المجالس بنية معلوماتية كاملة تحتوي معلومات عن المدينة على ارتفاع خمسين متراً وعمق لا يقل عن عشرة أمتار. إضافة إلى برامج واضحة تستطيع أن تبني عليها ترتيبات عمليات الحفر والتركيب والدفن. خطة تضمن ألا يحفر الشارع أكثر من مرة، وتوفر على الجهات التي تعمل المبالغ الكبيرة التي تتعلق بطرح المنافسات بشكل منفصل وتصبح العملية موحدة. خطة نعرف من خلالها أن الشارع الفلاني سيغلق لمدة شهرين في عام 1437 لتنفيذ أعمال الكهرباء والمياه والهاتف مجتمعة وليست متفرقة.

يستطيع المجلس أن يقنن العقوبات الملائمة على الشركات التي تضطر للحفر أكثر من مرة، بسبب أخطاء التنفيذ في مرحلة سابقة. الهدف هو أن يكون العمل احترافياً وصحيحاً من أول مرة.

الآن وقد استفزتكم الجائزة. أدعو الجميع للتفاؤل، ففي كل محنة منحة كما يقال، فمحنة المواطن التي تمثلها التحويلات منحت جائزة عالمية لمهندس ذكي. ومساهمة مني في إعطاء الفرصة للحصول على المزيد من التقدير العالمي لآخرين من أبناء الوطن؛ أدعو لمنح جوائز أخرى نستحقها، فمثلاً يمكن أن نفوز بجوائز مثل:

- جائزة اكتشاف المواقف على المسار الأيمن من الشارع.

- جائزة التنبيه عن مواقع كاميرات ساهر.

- جائزة أسرع وسيلة لإخافة السائق الذي أمامك وإرغامه على التحول للمسار الأوسط.

- جائزة تنظيم انتشار بائعي البطيخ والتمور ومياه زمزم ونعناع المدينة.

- جائزة اكتشاف مسارات جديدة غير مخططة في الشوارع أصلاً.

- جائزة أجمل سور يحيط بأرض غير مخططة وسط المدينة.

وللقارئ الكريم أن يكتشف المزيد من الجوائز. فالإبداع لا حدود له.