الموت حق.. ونحن من يؤمن بالقضاء والقدر.. لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "اعقلها وتوكل".. وكنا نظن أن مسلسل موت المعلمات والطالبات بعد حادثتين أو ثلاث قد انتهى.. وكنا نظن أيضاً أنه بعد تكراره أن تقوم الدنيا ولا تقعد حتى تكون هناك دراسات واجتماعات وبرامج ومشروعات لوقف المسلسل الدموي لهؤلاء اللائي تجبرهن ظروفهن على قبول وظيفة ليس لديهن في الحياة إلا الذهاب إليها والعودة منها والعمل فيها ثم النوم وإعادة هذا الروتين في اليوم الثاني دون توافر أي وقت إضافي للمتعة أو مع الأقارب أو أي عمل آخر كالناس العاديين.

وليت الأمر يقتصر على ذلك.. إنهن في خطر.. خطر الطريق الذي يذهبن فيه ويعدن منه لساعات طويلة.. إن مسلسل موت المعلمات والطالبات مستمر منذ سنوات وقد أضيف إلى مسلسل الطريق ما وقع في مدرسة البراعم في جدة. وظروف مدرسة البراعم متكررة في مدارس عديدة في طول البلاد وعرضها..

إنها مسؤولية كبيرة على المجتمع وعلى الدولة.. وعلى المسؤولين المباشرين.. قد تكون الحلول صعبة.. لكنها ليست مستحيلة.. يتكرر مشهد الموت.. فنثور ونغضب ونحقق.. ثم ما نلبث أن نستكين.. وتتكرر المأساة.. إن كانت هناك حلول تمت بعد التحقيقات التي تمت في الماضي وبعد تتبع القضايا السابقة ..فمن المسؤول عن عدم تنفيذها.. وإن لم تكن هناك حلول ولا توصيات.. فلا نقول إلا لا حول ولا قوة إلا بالله.. وهي مصيبة أكبر.. البلاد تتألم يا قوم.. من شمالها إلى وسطها إلى جنوبها.. بدأت ببراعم الوطن في جدة.. بعدها يموت 12 طالبة في حائل.. وبعدها ثلاث طالبات في طريق الدرب صبيا بجازان يمتن سعيا وراء مستقبلهن..

أليست هذه مأساة يجب أن يستمر الحديث عنها حتى نعرف حلها ونحاسب المسؤول عنها.. بعد كل هذا الوقت وبعدكل تلك الكوارث إن لم تكن هناك حلول فمتى تكون الحلول.. بعد هذه الكوارث إذا لم نستيقظ فمتى نستيقظ.. بعد كل هذه الكوارث إذا لم نحاسب فمتى نحاسب؟

وبتتبع الحالات التي حدثت في بلادنا خلال أسبوع واحد في المناطق الثلاث نجدها تنحصر في ثلاث مشكلات:

الأولى: المعلمات المعينات في أماكن بعيدة ويضطررن لقطع مسافات طويلة.. يستيقظ السائق أحيانا مبكراً جداً وأحيانا قبل صلاة الفجر ويركبن مركبات قد لا تكون مناسبة وقد لا تكون في حالات جيدة.. وقد لا يكون السائق مؤهلاً تأهيلاً جيداً للقيادة وقد لا تكون وسائل السلامة وسعة المركبة مناسبة للأعداد التي تمتطيها..

والسؤال: هل سفر المعلمات كل يوم هو الحل الوحيد؟

هل فرضية تأمين سكن لهن في بعض المدارس مع الحراسة ممكنة؟ وإذا لم تكن ممكنة في بعض المدارس فهل يمكن تأمين نقل ذي مواصفات صحيحة لهن؟

وهل يمكن استبدال تلك المدارس على مدى المستقبل البعيد بمجمعات كبيرة لكل عدد من القرى وتكون في إحدى القرى الكبيرة ذات المواقع المتوسطة بين كل مجموعة من القرى ويتم النقل إليها عبر وسائل حديثة ويتم إقناع المواطنين بهذا التوجه الحضاري الذي هو أولاً وأخيراً في صالح أبنائهم.

هذه فرضيات يمكن مناقشتها وغيرها من الفرضيات التي تحافظ على أرواح المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة.. إنهم في ذمتنا جميعاً دولة ومجتمعا وأفرادا فلنتق الله فيهم. كلٌ يتحمل مسؤوليته وليتق الله فيها..

أما الطالبات اللاتي يضطررن للذهاب مئات الكيلو مترات إلى جامعة أو كلية.. فلا مبرر لذلك على الإطلاق.. لا أعرف لماذا يذهبن؟

أهن قد أجبرن على تخصص لا يوجد في الكلية التي لديهن.. أليس في الكلية تخصص يحتضنهن ويوفر عليهن عناء الذهاب مئات الكيلومترات؟

وإذا كان الأمر ضرورياً واضطررن لذلك أليس في الإمكان توفير وسيلة نقل تتوافر فيها شروط السلامة بقائد مركبة تعرض لاختبارات دقيقة لضمان صلاحيته.

هنا أيضاً فرضيات كثيرة يمكن لواحدة منها تشكيل الحل الذي أيضاً يحافظ على أرواح مثل أولئك الطالبات ..

أما سلامة المدارس فهذه قضية أخرى.. ولا بد من فحص دقيق لوسائل السلامة في كل مبنى يضم تجمعات كبيرة من البشر، سواء كانت مدارس أم مجمعات أخرى أم مباني سكنية كبيرة أم مباني أعمال ومكاتب كبيرة..

الواضح أننا بأجهزتنا لا نتحرك إلا كردود أفعال. لماذا لا نبادر؟! نبادر من الآن.. مستعينين بالله مسترشدين بنوع الحوادث والكوارث التي شهدناها.. لنعرف أسبابها ونتأكد أن تلك الأسباب لا توجد في أماكن مشابهة.. ثلاثة أنواع من الكوارث لا بد من دراستها بعمق وعمل حلول عاجلة لها.

مثل كل ما سبق من الحالات يجب أن يتوقف الآن إلى أن توجد الحلول المؤقتة على مستوى المستقبل القريب إلى أن يُسار في الحلول الدائمة على مستوى المستقبل البعيد..

الحلول العاجلة المؤقتة لا بد منها حتى الانتهاء من تتبع عميق للكوارث التي تمت ثم يُبدأ في حلول دائمة لمنعها. وهي بلا شك حلول صعبة لكنها ليست مستحيلة.. وأسأل الله ألا تمر هذه الكوارث كسابقاتها..نغضب ثم نهدأ وهكذا كارثة بعد أخرى.. يستمر غضبنا حتى نجد حلولا دائمة. إنها مسؤولية..إنها أمانة وأي أمانة. إنه أنفس تُزهق.