قال غاندي ذات يوم "يتجاهلونك ثم يضحكون عليك ثم يحاربونك ثم تنتصر". ارتفع هذا القول عاليا منذ أول من أمس ورجاء عالم تتوشح الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) 2011 عن روايتها "طوق الحمام" مناصفة مع رواية "القوس والفراشة" للمغربي محمد الأشعري.

في العام 1986 في ذروة صخب الحداثة وفي نادي جدة الأدبي انتفضت رجاء واحتكت بالعلم عزيز ضياء وهي ترد عليه باعتداد (لا يهمني أن يفهمني أحد"، حين اعتلى ضياء منبر أدبي جدة خلال أمسية قصصية شاركت فيها رجاء وقال "أنا لم أفهم ما كتبته الابنة رجاء".

كانت وقتها رجاء (معلمة اللغة الإنجليزية) في العشرينات من عمرها ومن يومها، اعتكفت رجاء والتزمت الصمت، نأت عن المنابر وأخلصت لفنها الكتابي فقط، تنتج القصة والمسرحية و الرواية تلو الرواية.

أخيرا، أنصفت رجاء المولودة في مكة المكرمة عام 1956 بعد سنوات طويلة من دأب الكتابة والعمل بصمت، مخلصة لتوثيق ما أندثر وتوارى من البيئة المكية الحجازية بكل تفاصيلها الجوانية وهي تعلم جيداً في قرارة نفسها أن هناك عشاقا لفنها، وهناك من هو قادر على فك مغاليق النص، وهناك من لا يستسهل الفن والكتابة، وهناك من يعرف أن (الرواية) ليست (سلقا) أو منشورا اجتماعيا أو (ثرثرة نسائية).

مرة في لقاء نادر من لقاءاتها الصحفية المحدودة قالت رجاء التي نشأت في أطراف (دحلة الرشد) بحي المسفلة الكبير على مقربة من الحرم المكي ( إن الخوف هو أسوأ عدو للبشر)، وفي شخصيتها الخجولة جدا بدت كأنما تخاف الأضواء ولا تحبذ الاقتراب منها، وأحد النقاد المقربين منها ومن تجربتها يرجع ذلك الترفع إلى ما حدث في ليلة أدبي جدة وهي تقرا قصتها (قهرمانة).

تكتب رجاء التي تقاعدت من العمل في سلك التعليم قبل حوالي عشر سنوات بكل تجل وتغوص في الغامض والمسكوت عنه من عوالم مكة المكرمة التي هي بالنسبة لها "مركز لحركة سحرية إبداعية أعمل على إحيائه كوداع لمكة القديمة التي اندثرت الآن، مكة أمي وجدتي" هكذا قالت رجاء، التي صنعت من التصوف والخصوصية والعرفانية والأسطورة عالما روائيا موازيا، تجاهلناه كثيرا، عدا قلة من الأقلام التي وعت ما يكتنزه سرد رجاء من فتنة وعمق وجمال يأتي في مقدمتها الناقد فائز أبّا الذي كان من أوائل الملتفتين لتجربتها مطالع الثمانينيات الميلادية، والناقد سعيد السريحي والناقد عالي القرشي، ومن الجيل اللاحق معجب العدواني الذي كتب أطروحة الماجستير في البحرين عن أدبها بعنوان "الكتابة والمحو: التناصية في أعمال رجاء عالم الروائية"، وفاطمة العتيبي أيضا كتبت بحثا بعنوان "السرديات النسوية في الرواية السعودية: رجاء عالم أنموذجاً".

الآن بعد البوكر سنحتفي برجاء طويلاً، سنرى الدراسات والندوات في جميع مراكزنا الثقافية تعقد من أجلها بعد تجاهل طويل لفنها وإبداعها في الرواية، وبعد 8 روايات ومجموعتين قصصيتين وأربع مسرحيات.

الكل يتحدث ويكتب عن رجاء عالم، في (الفيسبوك، وتويتر) تتداعى الكتابات حتى لأناس ربما لم يقرؤوا حرفا واحدا لها.

نشكر البوكر لأنها أعادت الوهج لمبدعة حقيقية لا تبحث عن الجوائز، لم تسوق نفسها على غرار ما يفعل "المراهقون كتابيا" بل كانت تؤمن تماما بأن ما يقدمك للناس هو عملك فقط لا الضجيج الصحفي أو الإلكتروني.