قرأنا عبارة قالها الأمير سلمان بن عبدالعزيز في سياق حديث له أثناء زيارة قام بها سموه لهيئة الأركان العامة لوزارة الدفاع..حيث قال: (إن أسلوبه في العمل هو المكاشفة والصراحة).. وطلب سموه من جميع منسوبي وزارته أن يبلغوه حال حدوث مخالفة نظامية أو حدوث أمر يمس المصلحة العامة.

وحسن الظن يحملني أن أجير هذا الأسلوب في العمل إلى جميع أجهزتنا الحكومية.. فسلمان بن عبد العزيز مدرسة تعلمنا كيف يمكن التعامل مع مختلف الأزمات.. وأنه مهما اشتدت الأزمة فهي توقظنا من غفوة الأخطار التي تحدق بنا.

حادثة براعم الوطن أعادت إلى ذاكرتي حادثا مروريا أليما، تعرضت له مع أفراد أسرتي..وفقدنا أحد أبنائنا..(محمد)..حيث أصيب بإصابة بالغة في الدماغ..

بذل مستشفى القنفذة العام كل الجهود الممكنة لإنقاذه، لكن لأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان, تقرر نقله إلى مستشفى الملك عبد العزيز بجدة.. وبعد ساعات طويلة من انتظار سيارة إسعاف سليمة.. نقل محمد إلى جدة.. في منتصف الطريق عادت سيارة الإسعاف إلى القنفذة، لأنها في الأصل لم تكن صالحة للسفر..هل تعرفون معنى أن تتعطل سيارة إسعاف تحمل مصابا في حالة حرجة؟

ولن أسرد بقية القصة مع سيارة الإسعاف، فهي أشبه ما تكون بكوميديا سوداء.. توفي محمد.. نسأل الله أن يجعله شفيعا لوالديه..

لم نسأل من المتسبب، ومن أين التقصير، من المستشفى أم من الشؤون الصحية أم من وزارة الصحة، أم من سائق الإسعاف؟ وربما كانت وزارة النقل!

في الجانب الآخر تقف ريم وغدير وسوزان رحمهن الله وصاحباتهن والرأي العام في مواجهة أمام وزارة التربية والتعليم والدفاع المدني ليتكرر سيناريو الأسئلة التي يطرحها كل مواطن مكلوم بفقد أو إصابة عزيز له..

من أين حدث التقصير؟ من وزارة التربية والتعليم بكل أجهزتها؟ أم الدفاع المدني بكل ثقله؟ أم إدارات التعليم التي بدأت العمل الآن في كل أنحاء المملكة لتنقذ ما يمكن إنقاذه..أم إن الإهمال كان من منسوبات المدرسة؟ وسوف تطول قائمة أسئلتنا.. ولن أجيب، لأني لست من عضوات التحقيق، لكنني أستطيع أن أؤكد أن هناك طرفا متهما في القضية ولم يظهر للجنة ولن يحاسب.. طرفا اسمه الخصوصية. عزلنا كمجتمع عن العالم من أجله..

حرمتنا خصوصيتنا من التعارف والتواصل مع الآخرين وثقافاتهم وتجاربهم، وقد كان هذا سيثري حياتنا وتجاربنا لنصل إلى تكامل إنساني..

عزلنا اجتماعيّاً عن العالم، و لم نتعلم من تاريخنا الإسلامي ولا من تاريخ قيادتنا المشرق.. ولم نتعلم حتى من خصومنا..

تأخرنا بوصفنا مجتمعا فأهملنا تكريس ثقافة العمل والنظام.. والحقوق والواجبات..تأخرنا عن أن نخلق في مجتمعنا معاني النقد البناء.. رغم أنه الخيار الصحيح الذي كان سيجنبنا الكثير من المساوئ.. وخسرنا أكثر عندما تأخرنا عن تأطير كل أمور حياتنا بالشورى.. والآن نقول لكل مسؤول تنفيذي أوكل إليه أمر من أمورنا:

لا بد أن تكون نموذجا وقدوة تمثل الأمانة والاستقامة..وتعطي وتضحي بلا قيد أو شرط..وإن لم تكن كذلك فأنت عبء على الوطن..

نريد مسؤولا نموذجا قادرا على حمل شرف الأمانة ومحاسبة المقصر والمهمل.. مسؤولا يطبق القانون بعدالة ولا يكون تطبيقه لها كما قال أحد المفكرين: مثل شبكة العنكبوت تصيد الضعيف ويمزقها القوي..

نريد مسؤولا لا يتكتم على الأخطاء والقصور ويمتلك ثقافة الاعتراف بها، ولا يكفي هذا بل يحاسب نفسه قبل محاسبته الآخرين..

ولن ينسى الوطن وأبناؤه نماذج عملت بإخلاص وتفان وتركوا خلفهم تاريخا ناصعا من الفكر الإداري الفذ.

ختاما.. نحلم بمسؤول يعد الوطن ويفي بوعده..كما وعد خالد الفيصل ووفى بوعده..(إن خير من استأجرت القوي الأمين).

*من مسرح الحياة:

الحادثات مثل الخناجر إما أن تخدمنا إذا أمسكناها من القبضة أو تجرحنا إذا أمسكناها من النصل.