من بين جوائز – التميز – التي خرجت من يدي خالد الفيصل مساء الثلاثاء الماضي أجد نفسي منحازاً إلى (تميز التعليم) لبضعة أسباب. أولها لأنه التعليم وهو بالمعرفة والرفقة الطويلة ذلك الهاجس المخيف الذي لازم كل الآمال والخيال لصاحب الجائزة. وثانيها لأن الفائز كان من خارج دوائر الذوات والأذرع الطويلة في برجواز مكة المكرمة . وكم كنت سعيداً جداً جداً لأن تجربة المدارس الجاذبة ذهبت إلى – القنفذة – حيث كل قصة – وطني – وأهلي وإنسان بلدي وبناء تجربتنا الجميلة تختصرها هذه الحكاية: قبل أربعين عاماً فقط، جاء الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله معلماً في إحدى قرى القنفذة النائية، ثم كتب في مطلع العقد الأخير روايته الأشهر – براري الحمى – وفيها يعرض بشكل أخاذ ومؤلم في آن قرى الجوع والفقر والجهل، ومدارس الصفيح وفصول الفراش الأرضي وسبورة الفحم وتلاميذ محو الأمية. اليوم تقف القنفذة، موئل براري الحمّى – بخمسين مدرسة جاذبة وبأكثر من 90% من مدارسها في مقراتها الحكومية، وكل الذي آمله من خالد الفيصل أن يدعو هذا الروائي في زيارة سموه القادمة لهذه البراري لسببين: أولاً لنشكره ونعترف له بالفضل معلماً ومربياً ومدير مدرسة قديمة، وثانياً ليشهد بنفسه ذلك التحول في قصة وطن في ثلاثة عقود. شكراً لوطني، ...وفخور بالتجربة رغم النقص والنقض ورغم إيماني بأننا نستطيع أن نفعل أضعاف ما نعمل.

انحزت للتعليم في جائزة التميز متأثراً أيضاً بكلمة مدير تعليم القنفذة وهو يقف ليلة يمد يمينه إلى يدي خالد الفيصل. يقول: أقف الليلة فائزاً بجائزة جديدة، بعد أن وقفت في عام 1407 حاصداً لجائزة التفوق الطلابي خريجاً في فرع جامعة الملك سعود بأبها ومن ذات اليدين اللتين تمنحانني جائزة عمل جديدة. يثبت التشجيع والدعم أن للجوائز سحراً وأن لها ثمرة في نهاية الدرب الطويل . وما بين الجائزة الأولى لطالب والثانية لإداري تضع البرهان جلياً . والقصة لم تكن فرداً يفوز بجائزتين في زمنين متباعدين بل هي قصة البناء المجتمعي في شخص الفرد. هذه هي قصة الوطن الذي نحلم به أن تستحيل براري الحمى إلى جائزة تميز وأن تصبح الحمى جزءاً من التاريخ الذي نقرأ أوراقه رواية للمتعة وجسراً إلى مستقبل.