من الملاحظ على كثيرٍ من الجمعيّات العموميّة في أنديتنا الأدبيّة أن أغلبية أعضائها ليسوا من المهتمين بالشأن الثقافي، لجهة الحضور والمشاركة في فعاليّات الأندية وأمسياتها التي تقيمها على مدار العام؛ ولجهة الإسهام في المشهد الثقافي المحلي بإصدار أدبي أو بالكتابة في الجرائد والمجلات والدوريّات. لا يتعدّى الأمر في حيازة العضويّة على المؤهّل الجامعي وقبل ذلك حسّ "الفزعة" لأسماء بعينها تحتاج "الدعم الصوتي" للوصول إلى مجلس إدارة النادي.
لن نتحدث عن كفاءة ولا جدارة ولا استحقاق. تلك مسألة على المحك، وربما أربع سنوات أكثر من كافية للحكم على سلامة الاختيار.. ولن نتعجّل في القول إن "ليال العيد تبان من عصاريها". ليس من داعٍ للتسرع والحكم الابتدائي، فالفرصة طويلة ومتّسعة للعمل النوعي لإثراء حياتنا الثقافية وإحداث الفارق الذي يصنع الاسم والجدارة، بخاصة أن السنوات الخمس الماضية ـ سنوات التعيين ـ في بعض أنديتنا الأدبية، كانت زاخرة بالفعل والتأثير سواء في النشاط المنبري أو عقد الملتقيات والمهرجانات أو نشر الكتب.. بما يجعل تلك السنوات معيارا قابلاً للتكرار والإرساء أو للتجاوز أو حتى القصور عنه.
الانتخابات مضت لشأنها، مهما كان التقييم؛ تأييدا أو اعتراضا أو مراجعة، غير أن المشهد الانتخابي في أنديتنا الأدبية توفّر على سمة غريبة أو علّة مخامرِة، تتلخّص في أن المعنيّ بهذه الانتخابات سجّل غيابا ساطعا. المثقف الذي يشكو من ثقافة التعيين ويلمز ويغمز من قناة وزارة الثقافة والإعلام التي تأخرت أو تلكأت في تبني انتخاب أعضاء مجالس إدارات الأندية الأدبية، وعندما سنحت أمامه الفرصة ليختار ممثليه وأن يمتلك زمام قراره؛ تخلّى عن هذه الفرصة وتركها تعبر. كأنه لم يشكُ مرّ الشكوى من تهميش المؤسسات الثقافية وحرمان المثقف من صوت الاختيار للأشخاص الذين سيحملون همّه وسيعبرون عنه أوضح تعبير، وأن المجال سيصبح أمامه مفتوحا لصياغة الوجه الثقافي بالطريقة التي سيرضى عنها.
تخلّي المثقف عن دوره وعن صوته في الجمعيّات العموميّة يطرح علامة استفهام كبيرة وموجعة. يرصد المراقب بتعجّب أعداد أعضاء الجمعيّات العمومية، حين يخذله عدد المشاركين من المثقفين المهتمين بالثقافة في كل منطقة. هل من المعقول أن عدد المسجلين ـ مثلا ـ في جمعيات أدبي الرياض وجدة والشرقية لم يتجاوز ستمئة عضو، وداخل هذه "الكتلة الرقميّة"، يغيب المثقف الذي من أجله كان التحوّل من ثقافة التعيين إلى ثقافة الانتخاب؟
هل نحن بحاجة، بعد انقضاء المشهد الانتخابي، إلى "مثقف" تخلّى عن دوره وترك المجال لـ "الفزعة" أن تحتلّ الصدارة والتسيير؟ هل نحن بحاجة إليه لينصّب نفسه "ضميرا" حاضرا؛ مادّاً رجله للحديث عن أداء الأندية الأدبية؟