يبدو أن لدينا خللا واضحا في ثقافتنا جعلنا نستقبل كل مشروع تنموي تقوده الدولة وفق منطق الهبة والعطية التي يجب أن تكون شاملة وعامة، لا بل إن كثيرا من مؤسسات الحكومة قد أسهمت طوال السنوات الماضية في ترسيخ هذه الفكرة، إذ افتقد كثير من مشروعاتها إلى روح الشراكة، وزرع المسؤولية المشتركة.

لقد تجلى هذا وبشكل واضح في فهمنا واستقبالنا لمشروع (حافز)، أحد أبرز وأهم البرامج التي تدير بها وزارة العمل ملف البطالة، وتفتح من خلاله نوافذ لأدوار حقيقية للقطاع الخاص.

استيقظنا منذ سنوات على أن لدينا مشكلة اسمها البطالة، وشهدنا منذ ذلك الحين حزمة من الأسئلة البليدة وغير الموفقة، من قبيل: كيف أن بلدا ثريا يوجد به عاطلون عن العمل؟ لماذا لا تصرف أموال الدولة لتوظيف هؤلاء الشباب؟ وكأن البطالة عمود إنارة لا يعمل في طريق الدائري الشمالي، ليتلخص الحل في مبلغ من المال يتم به إصلاح هذا الخلل.

هذه الرؤية هي التي أسهمت في تشكيل حلولنا السابقة للبطالة، في مشروعات كانت منذ أن تبدأ وهي تحمل في ذاتها عناصر الفشل، فمشاريع سعودة محلات الذهب أو أسواق الخضار أو سيارات الليموزين كانت مجرد فزعات تنموية ولم تكن مشروعات حقيقية، إضافة إلى أنها ظلت تائهة بين مختلف القطاعات مما أفقدها التوجيه الفعلي لما يجب أن تكون عليه.

مع مرور السنوات اكتشفنا أن لدينا خللا ثقافيا كبيرا في قيم العمل، كانت البطالة تتسع والحلول المطروحة لا تعكس سوى مزيد من التذمر الشعبي، ومزيد من القلق والإخفاق لدى المؤسسات الحكومية. كنا نفكر آنذاك في أن السعودة تعني بالضرورة فقط إخراج العامل الأجنبي من المحل وإدخال مواطن سعودي ليقف مكانه، وبهذا تكتمل السعودة، ولذا ظل القطاع الخاص قلقلا ومتحايلا في الغالب وظل الباحثون عن عمل في حالة من التذمر والشعور بالخيبة المفرطة.

القلق الذي صاحب وصول المهندس عادل فقيه إلى وزير العمل انحصر في كونه رجل أعمال وبتجربة عريضة يمكن أن تؤثر في حلول البطالة التي قد تستلزم ضغطا على القطاع الخاص، إضافة إلى أن التجارب السابقة في التعامل مع ملف البطالة أكسبت السعوديين كثيرا من الزهد وانخفاض سقف التوقعات، لكن الرجل القادم من عالم الأعمال استغل أسرار دائرته القديمة لينتج بها حلولا لمهمته الوطنية الضخمة، فجاء وهو يعرف أنواع الأقفال وأنواع المفاتيح التي يمكن أن تفتحها واحتفظ بنسخ أصلية من كل أفكاره التي ظلت تراوده كرجل أعمال وطني لديه من التصورات والحلول التي إن وجدت ما تحتاج إليه من الدعم فسوف تعيد ترتيب المعادلة من جديد.

كل المشروعات التي أنتجتها وزارة العمل الآن تمثل حلقات متتالية ومتصلة تتكامل لتنتج مشروعا وطنيا لا يؤدي فقط إلى إعادة تعريف السعودة – التي تم استبدالها بالتوطين وهو توصيف أكثر علمية ومدنية – بل إلى تقديم حصار حقيقي وعلمي للبطالة، وبلغة تستوعب أن البطالة تدار بوعي اقتصادي يؤمن بمبادئ السوق وتحولاته وليست قضية إدارية.

يبدو أن وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية قد تحولا إلى ورشة حقيقية طوال الأشهر الماضية، سبعة أشهر فقط هي الوقت الذي احتاجته الوزارة لإنجاز مشروعات ضخمة على أن تتكامل فيما بينها لتمثل أول إدارة واعية للبطالة، في الوقت الذي احتاجت فيه كل التجارب الدولية المماثلة لفترة لا تقل عن ثلاث سنوات منذ إقرار البرنامج حتى تنفيذه.

ستة وثلاثون مليار ريال سوف تصرفها الدولة هذا العام فقط ضمن برنامج حافز، الذي استقبلناه وكأنه جزء من برامج الضمان الاجتماعي، وركزنا فيه فقط على الجزئية الخاصة بمبلغ الألفي ريال بينما هي لا تتجاوز كونها ذراعا من أذرع البرنامج الذي يضم كثيرا من الجوانب التي تتكامل كلها لتنتج مسارا وطنيا واضحا للتعامل مع البطالة.

اثنا عشر شرطا وضعها البرنامج كمحددات لمن تنطبق عليهم شروط الاستفادة الكاملة من البرنامج، بمعنى أن نقصان شرط من الشروط لا يعني حرمان المتقدم من كل البرنامج بل من الجزئية الخاصة بالإعانة المالية الشهرية، بينما تظل كل الجوانب المتعلقة بالتدريب والبحث عن عمل ملائم والارتباط مع الجهات الموظفة متاحة ليستفيد منها الجميع.

الطريقة التي أدارت بها وزارة العمل برنامج حافز تدفع بالمجتمع إلى ثقافة وسلوك جديد في التعامل مع الجهات الحكومية، فلم نشهد طوابير على أبوب حافز، ولم تكن هناك أبواب أصلا، تمت العملية في مجملها بطريق إلكترونية حديثة، تجعلنا نضطر للمقارنة حين نشاهد صورا لتجمع أمام وزارة أو جهة تعلن عن وظيفة أو برنامج مماثل، لنتأكد أن الوعي فقط هو الذي ينتج مثل هذه المظاهر الإيجابية وهو الذي يغيبها.

في الواقع لا يجب أن نستغرب كثيرا من ردود الفعل التي صاحبت إعلان البرنامج وشروط الاستفادة الكاملة منه، ليس لأن هذا هو واقع المجتمع، بل لأننا تعودنا من مؤسساتنا الحكومية أن تنتج برامج تفتقر لمنطق ولغة جديدة، بينما ما تقدمه الآن وزارة العمل يكشف وبكل وضوح عن أمر غاية في الأهمية، وهو أن أي مسؤول في هذا الوطن متى ما أراد أن يعمل وينجز بجد، فبإمكانه القيام بذلك، ذلك لا يكفل شيئا إلا أن يتخلى أولا عن هيئة التشريف ليدخل إلى هيئة العمل في ورشة حقيقية.

كان بإمكان الوزير عادل فقيه أن يربط التوطين بمخرجات التعليم والبنية التحتية وسوء التخطيط، وأن يجد له آلاف الأعذار والمبررات لو أنه أراد أن يسترخي في مكتبه، لكن ما قدمه يؤكد لنا أن القضية ليست في الإمكانات ولا في الدعم.. إنها في الفرق بين من يقدر ومن لا يقدر.